1 - إدارة شئون الدولة والمجتمع Governance
ظهر هذا المفهوم منذ عام 1989 في كتابات البنك الدولي في إشارة إلى كيفية تحقيق التنمية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ثم ما لبث أن اكتسب أهمية خاصة في مجالات الإدارة العامة والسياسات المقارنة مع الانتقال من التركيز على مفهوم الحكومة الذي يقوم على مسلمة اضطلاع الوزارة بالدور الرئيسي في ممارسة السلطة، إلى المفهوم موضع التحليل الذي يقوم على مشاركة المجتمع للوزارة في ممارسة تلك الإدارة.
تعريف قدمه البنك الدولي للمفهوم وصفه فيه بأنه "أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية"، وهو التعريف الذي يقترب من التعريف الذي تبناه ديفيد إيستون لعلم السياسة بأنه "التوزيع السلطوي للقيم". كما تجلى أيضا في تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقوامه أن الـ Governance هو "ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها". وفى هذا السياق من المفيد الإشارة إلى المؤشرات التي طرحها البنك الدولي للدلالة على المفهوم، وذلك على النحو التالي:
• الشفافية
• المساءلة (المحاسبية)
• المشاركة السياسية
• حكم القانون
ومن واقع تلك المؤشرات يذهب البعض إلى أن مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع يمثل إعادة إنتاج مفهوم الديموقراطية الذي يتفق معه في المحتوى. وذلك في حين يذهب البعض الآخر إلى أن المفهوم الجديد أكثر شمولا كونه ينطوى على ترابط بين مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإدارية، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى غير الرسمي، الداخلي أو الإقليمي.
2الشفافية
يشير مفهوم الشفافية إلى حرية الوصول إلى المعلومات وما يقابلها من الالتزام بالإفصاح عن هذه المعلومات، ويغطى مفهوم الشفافية كما يرى البعض ثلاثة مجالات رئيسية هي: إجراءات العمل، وتخصيص الموارد، وأسلوب اتخاذ القرار. أى أن الشفافية تعتمد على توفير المعلومات وعدم حجبها وانتقالها الحر بدون حواجز.
وتتحقق الشفافية عندما تترسخ حرية التعبير التي تمكن من الإعلام الحر، إذ أن حرية الإعلام ليست شرطا ضروريا للشفافية فحسب، ولكنها ضرورية كذلك لمباشرة المساءلة بقصد وقف أعمال التجاوز والتحايل، فضلا عن أهميتها لممارسة حق المشاركة في صنع القرار.
3حكم القانون
يتضمن مفهوم حكم القانون أو سيادته إعمال القاعدة القانونية نفسها في الحالات المتماثلة، وبغض النظر عن المراكز الاجتماعية للأطراف ذات الصلة وهو ما يعبر عنه بالمساواة أمام القانون. ويرتبط حكم القانون باستقلال السلطة القضائية على نحو لا يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل في عملها والتأثير على أحكامها.
4المساءلة (المحاسبة)
يشير مفهوم المساءلة إلى وجود طرق وأساليب متقنة ومؤسسية تمكن من مساءلة الشخص المسؤول ومراقبة أعماله وتصرفاته في إدارة الشئون العامة، مع إمكانية إقالته إذا ما تجاوز السلطة أو أخل بثقة الناس، وهذه المساءلة مضمونة بحكـم القانون ومتحققة بوجود قضـاء مستقل ومحايد ومنصف.
5المشاركة السياسية
في هذه الجزئية يمكن التركيز على بعد مهم من أبعاد المشاركة يتعلق بتمكين النساء Empowerment of women والذي يربط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بينه وبين إدارة شئون الدولة والمجتمع، حيث يجعل حسن الإدارة رهن إشراك النساء في صنع القرار على مختلف المستويات التي تبدأ بالأسرة وتنتهي بالدولة، مع التركيز على أهمية اقتران هذه المشاركة بامتلاك القوة الحقيقية.
وقد تأكد مثل هذا الربط خلال المؤتمر الدولي للحكم والتنمية المتواصلة والعدالة. ويكمن الاقتناع بأهمية مشاركة النساء في عملية صنع القرار وراء اتجاه عدد متزايد من الدول بما في ذلك على مستوى الوطن العربي لتخصيص حصص لتمثيل النساء في المجالس التشريعية.
6- الأصولية Fundamentalism
يعد مفهوم الأصولية من المفاهيم حديثة المنشأ نسبيا في المجال الثقافي الغربي، حيث لم يرد ذكره في اللغة والمعاجم إلا حديثا. وفي هذا الإطار يشير روجيه جارودي إلى أن كلمة أصولية لم يعرض لها معجم "روبير الكبير" سنة 1966، كما لم تتعرض لها الموسوعة العالمية سنة 1968. أما قاموس "لاروس الصغير" فقد أعطاها تعريفا بالغ العمومية مفاده أنها موقف أولئك الذين يرفضون تكييف العقيدة مع الظروف الجديدة، في حين ربطها "لاروس الجيب" سنة 1979 بالكاثوليكية وحدها على اعتبار أنها "استعداد لدى الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الحديثة". ومن بعد توالى اهتمام المعاجم الغربية بالمفهوم مؤكدة أن الأصولي هو ذلك الشخص الرافض للتكيف مع مستجدات العصر ويستخدم العنف في مقاومتها.
وفي هذا الإطار تبنت الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم دراسة مختلف الأصوليات تحت عنوان "المشروع الأصولي" منذ عام 1988، وانتهت إلى أن الأصولية ترى ضرورة تشكيل العالم لاستخدام العنف والإرهاب، وتؤمن بضرورة السيطرة على وسائل التعليم والإعلام، إلى جانب رفضها التمييز بين الحياة العامة والحياة الخاصة، مع التأكيد على ضرورة التطبيق الحرفي للقانون الإلهي.
يذكر أن أول نموذج غربي جسد المعنى السابق للأصولية كان "النموذج الكنسي" حيث قمعت الكنيسة الحريات، وصادرت الأفكار والمعتقدات، ومارست الاستبداد السياسي، وشكلت محاكم التفتيش لتأديب المخالفين والرافضين والمحتجين.
هذا عن الأصولية في السياق الحضاري الغربي، أما عن الأصولية في السياق الحضاري العربي الإسلامي، فالملاحظ أن دارسي الظاهرة يختلفون شديد الاختلاف في تحديد نشأتها أكثر مما يختلفون حول تحديد دلالتها ومفهومها، إذ غالبا ما يتم إسقاط الخبرات الثقافية التي تحددت في ظل سياق غربي معين على هذا المفهوم.
وفي هذا الإطار يجرى تحديد الأصولية باعتبارها الرؤية التي تتخذ من الأصل، سواء كان نصا دينيا أو مذهبا سياسيا أو جذرا عرقيا، مرجعا أساسيا وسندا نهائيا لمفاهيمها وسلوكها. وفي جميع الأحوال فإن الوقوف على الدلالة المعاصرة لمفهوم الأصولية يفضي بنا إلى نتائج ثلاث أساسية:
أ- أن الدلالات التي يستنبطها هذا المصطلح في التداول اللغوي والثقافي الغربي، غريبة تماما عن الحمولات الدلالية التي يختزنها في المجال التداولي الثقافي واللغوي العربي الإسلامي، ذلك أن مفهوم "أصولية" ليس غريبا عن حقل اللغة والثقافة للإشارة إلى ما هو أصيل فيها ووليد شرعي لها. والمستقرئ للمعاجم العربية ولاستعمال القران الكريم والحديث لهذا المفهوم وأصله ومشتقاته لا يكاد يعثر على الدلالات التي يحملها المفهوم في الفكر الغربي أو في الترجمة العربية له.
ب- إن مادة (أ - ص - ل) وما يرتبط بها من مشتقات كأصول وأصيل تشير كلها بصورة أو بأخرى إلى أول الشيء وبدايته. أما في مجال العلوم الإسلامية فيعد علم الأصول بمثابة العلم التأسيسي، أي العلم الذي يمكن من عملية الفهم، فعلم الأصول بالنسبة للفقه بمثابة المنطق بالنسبة لسائر العلوم الفلسفية، ومثل النحو بالنسبة لعلوم اللغة العربية. وبهذا المعنى فإن الأصولي هو العالم المشتغل بوضع المناهج والضوابط واستخراج القواعد الكلية عن طريق استقراء الأدلة المختلفة حيث يقدم خلاصة جهده للفقيه كى يوظفها في استنباط الأحكام الشرعية العملية من واقع أدلتها التفصيلية.
ج- إن القول بان "الأصولية" كمنهج فكرى يقوم على الانغلاق والإقصاء والعنف يجد أصوله في التجربة الحضارية الغربية لا يعنى أن التجربة التاريخية العربية الإسلامية في الماضي والحاضر قد سلمت من بعض أشكال "الأصولية" السلبية، من منطلق أن الحركات الأصولية تعد في المقام الأول حركات اجتماعية تقدم استجابات مختلفة للواقع المعاش، ومن تلك الاستجابات الميل إلى إلغاء الآخر على مستوى الخطاب أو إلى الانزلاق للعنف على مستوى الممارسة.
وتبعا لهذا التفسير السوسيولوجى فإن النزوع الأصولي لا يقتصر على الحركات الدينية وإنما يتعداها إلى كل حركة اجتماعية بما فيها الحركات العلمانية التي تتخذ أحيانا مواقف تتراوح بين إقصاء الغير والجمود النصي، وبين الانفتاح على الآخر والاستعداد للحوار معه.
د- إن التعامل مع ظاهرة الأصولية "الإسلامية" يجب أن يتم في إطار الوعي بأمرين، الأول محاولة توريث الإسلام عداء الغرب للشيوعية الذي خفت بانهيار الاتحاد السوفيتي. والآخر تجاهل أن المد الأصولي يشمل الديانات الثلاث من خلال ظاهرة صعود اليمين الجديد إلى السلطة أو ممارسته في القليل واحداً من أشكال التأثير عليها.
7- البيئة Environment
يعرف البعض البيئة بأنها نظام ديناميكي معقد ذو مكونات متشابكة ومتعددة، تأسيساً على أن التنمية أصبحت تتخذ منحى شمولياً ومتواصلاً على نحو جعل من الضروري إدماج البعد البيئي بين مكوناتها، والتأكيد على أن الأمن البيئي هو جزء متمم للأمن القومي والأمن العالمي. ويثير هذا المدخل في مقاربة مفهوم البيئة قضايا ثلاث أساسية، القضية الأولى ارتباط الحفاظ على البيئة بتطوير المشاركة الشعبية وحفز جهود المجتمع المدني وبالتالي ترسيخ أسس النظام الديمقراطي، خصوصا بعد أن تجاوز الاهتمام بتوفير حياة أفضل للإنسان حدود مكافحة التلوث البيئي التقليدي في الهواء والمياه والتربة إلى مكافحة التلوث ذاته على مستوى ما يؤذى السمع والبصر، وبالتالي استحداث مهام وأعباء جديدة تقصر عنها الإمكانيات الرسمية للدولة. القضية الثانية أن تلويث البيئة يتخطى انتهاك حقوق الجيل الحالي إلى الأجيال التالية بالنظر إلى تشعب آثاره وطول أمدها. القضية الثالثة تداعى آثار التهديد البيئي وتجاوزها الحدود السياسية للدولة لاسيما مع التطوير الكبير في وسائل الاتصال على نحو صار معه العالم أقرب ما يكون إلى القرية الصغيرة. وبالتالي فإن تسرب الغاز من أحد المفاعلات النووية، أو انتشار فيروس معد، أو تلوث مياه بحر أو محيط، أصبحوا يمثلون جميعاً تهديداً للبيئة الدولية بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى التشديد على ضرورة التعاون الدولي في مجال الحفاظ على البيئة والتجاوز عن الاتهام التقليدي للدولة النامية بأنها المسئولة عن تلويث البيئة بعد أن أصبح معلوماً اقتران التقدم التكنولوجي بمستوى عال من التلوث، وبالتالي فإن المخاطر البيئية لا يخفف منها تملص الدول المتقدمة من مسئوليتها بل يحد منها تعاونها مع الدول النامية في مواجهتها. وفي هذا الإطار عقد عدد من المؤتمرات الدولية ذات الصلة، أهمها مؤتمر ريودي جانيرو. كما تم التوصل إلى بروتوكول كيوتو.
8- الحكومة الإلكترونية Electronic Government
تعد فكرة الحكومة الإلكترونية من الأفكار الجديدة في تطبيقها، إلا أنها على المستوى النظري تعد قديمة نسبيا حيث تجسدت المؤشرات الأولى لها في النصف الأول من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية بفضل جهود إدارة العمل والتأمينات الاجتماعية.
أما مفهومها فيشير إلى "المزج الكامل بين استراتيجية تنفيذ المهام والمسئوليات التي تضطلع بها الحكومة، واستراتيجية تكنولوجيا المعلومات واتجاهاتها العالمية الحالية والمستقبلية عند وضع السياسات العامة للدولة، واتخاذ الأساليب الإلكترونية منهاجا رئيسيا لآليات تنفيذ تلك السياسات". ويهدف هذا المفهوم إلى النظر في التطور الشامل الذي ألم بتكنولوجيا المعلومات واستخداماتها وفي تطبيق السياسات العامة للدولة استنادا إلى هذا التطور.
ومن أهم محاور الحكومة الإلكترونية ما يتصل بطبيعة العلاقة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين والمقيمين على أرضها من الأجانب وما تقدمه لهم من خدمات، تلك العلاقة التي تتيح إمكانية تتبع أوجه الصرف وانتقال الأموال في حال اعتماد النقود الرقمية أو المعاملات المالية الإلكترونية، وتسمح بفرصة الاتجار في السوق الإلكترونية، فضلا عن تغلبها على كثير من المعيقات الثقافية لمحو الأمية من خلال نظام تعليمي جديد هو التعليم عن بعد، وجميعها متغيرات جديدة تهدف إلى مكافحة الجمود البيروقراطي وتستفيد من الإمكانيات الكبيرة التي تهيئها شبكة المعلومات العالمية في هذا الخصوص.
ويذهب البعض إلى أنه لكي تصبح فكرة الحكومة الإلكترونية ناجحة في المجتمع المعلوماتي يجب أن تـكون هناك منطقة "لا سياسية خالصة" (Non - political zone) تعمل من خلالها هذه الحكومة. وإن ظل أهم معيار لفاعلية الحكومة الإلكترونية يتوقف على مدى نجاحها في إخراج النشاط الإداري للدولة من الحالة الانتقائية. وكانت مسألة الانتقائية هذه قد شكلت محور نقاش الدورة الرابعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بكونها (أي الانتقائية) نقيض المساواة والحياد والموضوعية، مما حدا إلى اعتبارها أمرا يتعارض مع حقوق الإنسان، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 54/174 بتاريخ 15/2/2000.
ومن أهم المسائل القانونية التي يثيرها عمل الحكومة الإلكترونية، ما يذكر بشأن إتمام الإجراءات الإدارية والمالية (كاستخراج جواز سفر أو بطاقة شخصية، أو القيام بتحويل مالي، أو الاطلاع على النتائج التعليمية للامتحانات والمباريات إلكترونيا) بإعداد نماذج معينة تعبأ عبر الإنترنت بغرض توفير الوقت والجهد والمال، وما يستلزمه ذلك من ضرورة وجود توافق على مشروعية هذا الإجراء بمعنى وجوب التزام النماذج المذكورة بالتشريع الذي وضعت على أساسه، مع ضرورة التعديل الدوري لتك النماذج لمسايرة التعديلات التي قد تدخل على التشريعات النافذة ذات الصلة.
9- التدخل الدولي الإنساني International Humanitarian Intervention
لم يشع استخدام مفهوم التدخل الدولي الإنساني بشكل ملحوظ إلا حديثا خاصة مع بداية عقد التسعينيات، إلا أنه يعد مفهوما قديما نسبيا؛ حيث وجد هذا المبدأ تطبيقات عديدة له في العمل الدولي منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما أن بعض مصادر مرجعيته تعود إلى مذاهب الفكر الديني والفلسفي الأوروبي. فقد ظهر المبدأ مرتبطا في جانب منه بما اصطلح على تسميته في الفكر القانوني والسياسي الغربي بالحرب العادلة أو المشروعة. إلا أنه ارتبط بعد الحرب العالمية الثانية بمبدأ حماية الأقليات، حيث جرى النظر إلى هذا التدخل باعتباره البديل الذي ينبغي اللجوء إليه في حالة إخفاق الأساليب الأخرى المتعارف عليها وقتذاك، أي قاعدة الحد الأدنى في معاملة الأجانب، ونظام الامتيازات الأجنبية، ومبدأ الحماية الدبلوماسية. مؤدى هذا أن التدخل إنما كان يستهدف توفير الحماية لرعايا الدولة أو الدول المتدخلة، ولم يكن مقصودا منه أبدا حماية مواطني الدولة أو الدول نفسها التي تنتهك فيها حقوق الإنسان وحرياته.
غير أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الأمم المتحدة أمست الحماية الدولية لحقوق الإنسان تمثل إحدى المبادئ الرئيسية الحاكمة للتنظيم الدولي. لكن على الرغم من وجود الضمانات الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي قررتها المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومنها الضمانة المتمثلة في إمكان تدخل المجتمع الدولي لكفالة الاحترام الواجب لهذه الحقوق وتلك الحريات إلا أنها كمبدأ عام ظلت بعيدة عن التطبيق الفعلي خلال العقود الأربعة الأولى من حياة الأمم المتحدة، ثم تكرر اللجوء إليها في عقد التسعينيات بشكل انتقائي. وتحكم مبدأ التدخل الإنساني في الغالب الأعم اعتبارات المصالح السياسية المباشرة للجهة ذات المصلحة في التدخل، وإن كان عادة ما يجرى تبرير هذا الإجراء بفكرة الواجب الأخلاقي بحيث يعدو هذا التدخل تدخلا أخلاقياً.
وبناء على ذلك فقد انقسم الفقه القانوني الدولي العام في موقفه من مدى مشروعية التدخل الإنساني أو التدخل لأغراض إنسانية إلى: فريق موافق وآخر معترض، يتوسطهما فريق يعلق المبدأ على عدة شروط أهمها: وقوع انتهاكات جسيمة وبشكل منتظم لحقوق الإنسان الأساسية واستنفاد كافة محاولات وقف مثل هذه الانتهاكات سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني، وإمعان السلطات المعنية في الدولة في عدم بذل أي جهد لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، والالتزام بالمعايير الدولية المستقرة في شأن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وألا يكون من أهداف هذا التدخل بشكل خاص السعي إلى إحداث أي تغيير في هيكل السلطة في المجتمع، وألا يكون انتقائيا بل يقع حيثما تتأكد موجبات وقوعه، وأن يتم بإرادة جماعية بناء على قرار صحيح صادر عن الأمم المتحدة أو عن إحدى المنظمات الأخرى ذات الصلة ولا تضطلع بمسئوليته دولة (أو دولتان) أيا يكن وضعهما في إطار النظام الدولي، وألا يكون من شأن هذا التدخل إحداث أضرار تتجاوز الهدف المتوخى منه.
وقد شهدت مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ارتبطت بإنشاء منصب منسق الإغاثة الطارئة Emergency Relief Coordinator في نهاية عام 1991 جانباً من التعبير عن اتجاهات الآراء السابقة. فقد عارضت مصر والمكسيك إقرار حق التدخل الدولي الإنساني استناداً إلى نص المادة (2) فقرة (7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التدخل في أمور سياسية تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدول. وعبر ممثل كل من بريطانيا والبرازيل عن الموقف نفسه انطلاقاً من أن "من غير المقبول أخلاقياً التدخل ضد سيادة الدول الأعضاء". وعلى الرغم من تأييد ممثل فرنسا إنشاء وظيفة المنسق الدولي إلا أنه انضم إلى الرأي السابق وهاجم الترخيص بالتدخل. لكن في مواجهة هذا الاتجاه المعارض، كان ثمة اتجاه آخر يؤيد التدخل، وقد سبق للأمين العام السابق للأمم المتحدة سير خافير بيريز دى كويار أن عبر عن هذا الموقف في عام 1991 عندما أعلن أن السيادة لا تعنى سلطة تنفيذ المذابح الجماعية. وأيده في موقفه وزير الخارجية الإيطالي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام نفسه منوهاً إلى أن "التدخل الذي يهدى إلى تأمين حقوق الإنسان واحترام المبدأ الأساسي للتعايش السلمي، امتياز للجماعة الدولية التي ينبغى أن تكون لها القوة لوقف السيادة حينما تمارس بطريقة إجرامية". كما دعا ممثلو بعض دول أوروبا الشرقية داخل الجمعية العامة إلى اعتبار حقوق الإنسان شأناً عاماً، ومقاومة السيادة التي تتخذ ذريعة لتجاهل تلك الحقوق.
وعززت التطورات خلال التسعينيات من الجدل الدولي حول التدخل الدولي الإنساني بفعل ثلاثة عوامل متزامنة، أولها وقوع أزمات داخلية كبرى في عدة دول تتخللها انتهاكات جسيمة ومنهجية تصل إلى حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية يكون قد راح ضحيتها آلاف الضحايا (الصومال – البوسنة – رواندا – كوسوفو – تيمور الشرقية) وأدت إلى تدخلات عسكرية دولية من خلال أنماط مختلفة تحت لافتة التدخل الإنساني. وثانيها أثر تغير ميزان القوى داخل الأمم المتحدة بعد زوال الاتحاد السوفيتي وغياب القطبية الثنائية، وزيادة هواجس بعض المجموعات الدولية وخصوصاً البلدان النامية المعرضة لأن تكون هدفاً لمثل هذا التدخل. وثالثها توجه الأمم المتحدة نحو تقنين مبدأ التدخل الدولي الإنساني، عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم إلى قمة الدورة الألفية للجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2000.
10 السيادة Sovereignty
يعد مبدأ سيادة الدولة من المبادئ الأساسية التي انبثقت عن صلح وستفاليا سنة 1648، وشكل من ذلك الحين أحد أهم القواعد التي قام عليها النظام الدولي الحديث بشكل أساسي. ويشير مفهوم السيادة داخليا إلى السلطة الشرعية الشاملة والمطلقة التي تمارسها الدولة على إقليم محدد. أما خارجيا فيرتبط المفهوم أساسا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وكذا المساواة القانونية بين هذه الدول في مختلف علاقاتها وتعاملاتها الدولية. وفي هذا الإطار اعتبر الفقه القانونى الدولي أن الدولة لا تكون مستقلة وذات سيادة إلا إذا توافرت لها ثلاثة شروط محورية، أولها استئثارها بممارسة كافة الاختصاصات والصلاحيات المتصلة بشئون إقليمها. وثانيها استقلالها في ممارستها لهذه الاختصاصات والصلاحيات عن أى ضغط أو تأثير من أية قوة دولية وعدم الخضوع لها. أما ثالثها فيتمثل في شمولية ممارستها لاختصاصاتها وصلاحيتها بحيث لا يتم تقييد مجالها.
ويترتب على هذا المفهوم التقليدي للسيادة أن الدولة تستأثر بوضع نظامها الدستوري، والسياسي، والأمني، ورسم توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، واختيار منظوماتها الثقافية والإعلامية والقيمية، وذلك في استقلال تام عن مختلف القوى والمؤثرات الخارجية. ويجرى في هذا السياق التمييز بين ثلاثة أنواع أساسية للسيادة هي: السيادة الشعبية، والسيادة الوطنية، وسيادة الحق الإلهي.
لكن على الرغم من أن مفهوم السيادة لا يزال يتمتع ببعض مظاهره الأساسية (البعثات الدبلوماسية، احترام الحدود السياسية، العلم الوطني، الوظيفة العسكرية) إلا أنه وبفعل العديد من التحولات العالمية لم يعد نافذ المفعول. فلقد أصبحت الدولة عاجزة عن السيطرة على تنامي التأثيرات الخارجية على أوضاعها الداخلية، تلك التأثيرات التي تتجلى عبر وسائل مختلفة من قبيل ظاهرة الهجرة والمشاكل المصاحبة لها والآخذة في التفاقم بفعل تسييل الحدود بين الدول. كما أن سيادة الدولة فيما يتصل بلغتها الوطنية وثقافتها ومنظومة قيمها أخذت في التآكل أمام تأثيرات وسائل الإعلام الكونية والأقمار الصناعية في شبكة المعلومات الدولية. هذا إلى أن سيادة الدولة على اقتصادها الوطني ممثلا في عملتها الوطنية قد بدأت في التراجع الفعلي أمام منافسة البطاقات الائتمانية التي تعمل خارج نطاق النظام المصرفي، على صعيد آخر، تأثر النشاط الاقتصادي للدولة بتطور البورصات العالمية وتدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الدولية. أكثر من ذلك فإن تفرد الدولة بتحقيق الأمن على أرضها أصبح ينال منه تكاثر المؤسسات الأمنية الخاصة التي تتكفل بحماية الشخصيات العامة وحفظ ممتلكاتها. وبالتوازي مع ذلك، أخذت تتحلل مظاهر السيادة الوطنية على المستوى الدولي بتنازل بعض الحكومات عن جانب من اختصاصاتها الداخلية للمجتمع الدولي من قبيل مراقبة الانتخابات، والتفتيش على أوضاع السجون، مع الاتجاه نحو تقنيين أشكال من التدخل تحت مسمى التدخل الدولي الإنساني. وقد استهل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان هذا التطور بطرح فكرة مفهومين للسيادة، أكد من خلالهما على أن جوهر مبدأ سيادة الدولة يجرى تعريفه في ظل العولمة والتعاون الدولي، وأن الدولة أصبح ينظر إليها كخادم للشعب وليس العكس، وأنه أصبح من المتعين على المجتمع الدولي أن يصل إلى توافق ليس فقط بشأن مواجهة الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان أينما وقعت، لكن أيضا بشأن طريقة صنع القرار حول الإجراءات الضرورية لمواجهة تلك الانتهاكات ومن يتخذ هذه الإجراءات.
وبوقوع أحداث سبتمبر/أيلول 2001 اكتسب منطق تقييد السيادة دفعة أكبر من منطلق حماية مصالح المجتمع الدولي، وشرع بعض منظري الولايات المتحدة في تبرير هذا التقييد بمبررات ثلاثة هي: قمع المواطنين وقهرهم، وممارسة الإرهاب، وحيازة أسلحة الدمار الشامل وتهريبها للجماعات الإرهابية. لكن المهم في تصور تآكل السيادة الوطنية تحت تأثير العولمة، الوعي بالاختلاف النسبي في هذا التأثير من دولة لأخرى بحسب توازنات القوة السائدة ودرجة إسهام كل منها في إنتاج مظاهر العولمة. وبالتالي فإن سيادة دولة مثل الولايات المتحدة تعد الأقل تضررا من نتائج العولمة، طالما أن جملة المؤسسات التي ساهمت بدور في إنشائها وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية لا تلزمها سياستها بالضرورة، هذا في الوقت الذي يشرع فيه برلمانها قوانين تسرى على العالم (قانون داماتو وحماية الأقليات كنموذجين)، كما تعطى لنفسها الحق في التدخل لتغيير النظم السياسية للدول بالمخالفة الصريحة لميثاق الأمم المتحدة، وتطالب بإنهاء الوجود الأجنبي في هذه الدولة أو تلك فيما تحتل قواتها دولا أخرى.
11- الشبكات Networks
يعد مفهوم الشبكات من المفاهيم الحديثة التي شاع استخدامها بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية للإشارة إلى عملية التشبيك (Networking) التي تربط أعدادا كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني الوطنية والإقليمية التي يتجاوز نشاطها وعملها الحدود السياسية أو الجغرافية بغرض الدفاع عن قضايا لها صفة الكونية. فالشبكات بهذا المعنى تعبر عن ظاهرة "عولمية" تتجاوز الحدود الوطنية لينتظم في إطارها المواطنون من كل الأجناس والعقائد والأيديولوجيات دفاعا عن قضايا وقيم تشكل موضوع توافق عالمي، كالدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، والبيئة، والمرأة، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، فالشبكة تحيل إلى جملة العمليات والأنشطة التي يقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها المنظمات غير الحكومية على الصعيد العالمي لتحقيق أكبر قدر من التضامن والتآزر حول القضايا التي تؤمن بها وتدافع عنها.
بقول آخر تعبر الشبكات عن إطار طوعي يضم أفرادا أو مجموعات أو منظمات بطريقة أفقية غير تراتبية تهدف إلى تبادل المعلومات والخبرات والتجارب، كما تمثل آلية للتواصل ومصدرا للقوة والتأثير. ولقد جرى التعبير عن ظاهرة التشبيك بتعبيرات مختلفة كتعبير المجتمع المدني العالمي، ولو أن البعض يذهب إلى أن الشبكة ما هي إلا مكون من مكونات هذا المجتمع، وكتعبير المجتمع المدني غير القومي، وتعبير المنظمات الدولية غير الحكومية، وكذا المنظمات غير الحكومية متعددة الجنسية، وإن كان يؤخذ على المضاهاة بين المنظمات غير الحكومية والشبكات إهمال حق الأفراد غير المنظمين مؤسسيا بالضرورة في الالتحاق بتلك الشبكات، إضافة إلى أن بعض الشبكات قد تجمع في عضويتها منظمات رسمية إلى جانب تلك غير الرسمية، وإن كان ذلك يمثل الاستثناء كون الأصل في الشبكات أنها تعبر عن أشكال من التفاعلات غير الرسمية.
والواقع أن الحديث عن الشبكات بصيغة الجمع يعكس، في حقيقة الأمر، حجم التنوع فيما يتصل بعدد الأعضاء، ومجال الانتشار الجغرافي، وإمكانات التمويل، وكذا طبيعة النشاط وأهدافه. ويعد الاتجاه نحو التشبيك امتدادا نوعيا للحركات الاجتماعية التي استطاعت خلال القرن العشرين أن تواجه مختلف مظاهر الاستغلال الرأسمالي حيث حرص العمال على بلورة تنظيمات وطنية أسفرت عن إقرار تشريعات لحماية البيئة، وتكوين اتحادات عمالية قوية، وفرض ضرائب تصاعدية، والاستثمار في مجال الخدمات العامة.
أكثر من ذلك شكلت الدول النامية في السبعينيات من القرن الماضي مجموعة الـ 77 التي كان لها الفضل في انطلاق الحوار بين الشمال والجنوب من أجل صياغة نظام اقتصادى عالمي جديد. غير أن انسحاب الدول الغنية من هذا الحوار في الثمانينيات ومساندتها للسياسات التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية على دول الجنوب، أدى إلى قيام شبكات من الجمعيات الأهلية لمقاومة هذه السياسات، وهو ما اتضح بشكل ملموس في مؤتمر سياتل حيث عملت هذه الشبكات على تدعيم مطالب مجموعة الـ 77 فيما يتصل بإلغاء ديون الدول الفقيرة، وزيادة المعونات المقدمة لها وتيسير حصولها على التكنولوجيا.
وبالتالي فإن وجود تنظيمات اجتماعية وثقافية عالمية تهتم بقضايا محددة ليس ظاهرة جديدة، إنما الجديد فيها هو ظاهرة التشبيك التي ظهرت حديثا بين الهيئات الأهلية التي تبدأ على مستوى القاعدة في المجتمعات المحلية وترتفع إلى مستويات وطنية وإقليمية وعالمية. ومن ثم فإن ظاهرة التشبيك أو الشبكات تختلف عن التنظيمات الأهلية العالمية السابقة التي عادة ما كانت تتصف بالنخبوية والتنظيم الفوقي.
ومن أمثلة الشبكات القاعدية جمعيات حماية البيئة وجمعيات حماية المستهلك التي نجحت في استصدار بعض القوانين التي تسائل المؤسسات الصناعية، وتناقش حق الحكومات في تنظيم استخدام الجينات في الزراعة والحد من آثار العولمة في هذا الإطار.
ولقد كان للمؤتمرات الدولية التي عقدت خلال عقد التسعينيات والتي سمحت بتنظيم منتديات الهيئات الأهلية، بالتوازي مع اجتماعات الدول، دور مهم في انتشار ظاهرة الشبكات على مختلف الأصعدة. ونظرا لارتباط ظاهرة الشبكات بمواجهة المضاعفات السلبية للعولمة فقد أطلق عليها البعض اسم "العولمة من القاعدة" مقابل " العولمة من القمة".
وثمة عوامل محددة لفاعلية الشبكات تتمثل في وضوح الهدف منها، وإيمان الأطراف بهذا الهدف وتحديد أدوارهم ومسئولياتهم بناء عليه، وتشاركهم مع من يخدمون الهدف نفسه في إطار شبكات أخرى أو كأفراد، هذا مع ضرورة توفير هيكل تنظيمي قوى وجهاز إداري وفني كفء. وفي المقابل فإن ثمة تحديات تواجه الشبكات في أدائها لعملها منها ما يتعلق عموما بفكرة الحذر من التعامل مع الآخر، ومنها سلطوية النظام السياسي (الداخليس) وأحادية النظام السياسي (الدولي)، وضعف الروابط وسبل الاتصال فيما بين الداخل والخارج، وفيما بين مختلف عناصر الداخل، هذا بخلاف احتمالات فقدان الشفافية والمحاسبية.
12- صدام الحضارات Clash of Civilizations
على الرغم من أن التفاعل الحضارى، صراعا وتعاونا، قديم قدم الحضارات الإنسانية ذاتها، إلا أن مقولة "صراع الحضارات" لم تطرح بالكثافة والشمول اللذين طرحت بهما إلا على اثر نشر صموئيل هانتنجتون دراسته التي حملت العنوان نفسه بمجلة شؤون خارجية في صيف ،993. وهي الدراسة التي عمل المؤلف بعد ذلك على بلورتها وتطويرها في كتاب ذائع الصيت. تنطلق هذه المقولة من الاعتقاد بأن هوية الحضارات ستغدو مهمة بشكل متزايد في المستقبل حيث سيتشكل العالم إلى حد بعيد بسبب التدافع بين سبع أو ثماني حضارات رئيسية (هي الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الكونفوشيوسية، والحضارة اليابانية، والحضارة الهندوسية، والحضارة الأرثوذكسية، والحضارة السلافية، والحضارة اللاتينية-الأمريكية، وربما الحضارة الإفريقية)، وأن النزاعات الأكثر أهمية وخطورة في المستقبل ستنشب على امتداد خطوط الاختلاف الثقافية التي تفصل الحضارات عن بعضها البعض.
وينبه هانتنجتون إلى أن "نظريته" حول صراع الحضارات لا تعنى أن الهوية الحضارية ستحل محل كل الهويات الأخرى، أو أن الدول ستختفي بحيث تصبح كل حضارة وحدة سياسية واحدة، أو أن المجموعات الموجودة داخل كل حضارة لن تتنازع مع بعضها البعض ومع نفسها. لكن نظريته تصدر عن فرضية مفادها أن الفوارق بين الحضارات تعد فوارق موضوعية وحقيقية ومهمة، وأن الوعي الحضاري يتزايد، وأن الصراع بين الحضارات سيحل محل الصراعات الأخرى بما فيها تلك الأيديولوجية.
فإذا كان الصراع بعد اتفاقية وستفاليا قد اشتعل بين أمراء وأباطرة، ثم تطور بعد الثورة الفرنسية ليصبح بين دول، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وبفعل الثورة البلشفية والحركة المضادة لها اتخذ طابعا أيديولوجيا متناميا، فإنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتبشير فوكوياما بنهاية التاريخ تحول مع هانتنجتون إلى صراع ثقافي ودينى.
أما العوامل التي تعزز هذا الصراع وتعمل على تأجيجه فتتمثل حسب هانتنجتون في كون الاختلافات القائمة بين الحضارات تعد اختلافات حقيقية وأساسية، وأن التداخل المتزايد بين شعوب الحضارات المختلفة من شأنه أن يقوى "الوعي الحضاري" ولا يضعفه.
كما أنه في مواجهة مضاعفات عملية التحديث وما ينتج عنها من اغتراب الناس عن هوياتهم الأصلية، وإضعاف دور الدولة القومية كمصدر للهوية، ستنشط الحركات الأصولية عبر القومية، خصوصا أن الغرب لم يعد يشكل مصدر جاذبية، مما سيفضي للاستقواء بالذات والانكفاء عليها.
ولقد تعرضت أطروحة هانتنجتون لنقد شديد تمحور حول كونها تقدم الأساس النظرى للكره و التباغض بين أبناء الحضارات المختلفة، وإغفالها جوانب التفاعل غير الصراعية بين هذه الحضارات وهي الجوانب التي كانت على مدار التاريخ مصدرا لإثراء التراث الإنساني، وانحيازاتها الأيديولوجية الجلية، فضلا عن استشهادها بشواهد مصلحيه بحتة (العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية) للدلالة على التقارب بين الحضارات المختلفة (الحضارتان الكونفوشية والإسلامية في هذه الحالة) في تحميل للظواهر فوق ما تحتمل.
ولقد تعرضت أطروحة هانتنجتون لنقد شديد تمحور حول كونها تقدم الأساس النظرى للكره و التباغض بين أبناء الحضارات المختلفة، وإغفالها جوانب التفاعل غير الصراعية بين هذه الحضارات وهي الجوانب التي كانت على مدار التاريخ مصدرا لإثراء التراث الإنساني، وانحيازاتها الأيديولوجية الجلية، فضلا عن استشهادها بشواهد مصلحيه بحتة (العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية) للدلالة على التقارب بين الحضارات المختلفة (الحضارتان الكونفوشية والإسلامية في هذه الحالة) في تحميل للظواهر فوق ما تحتمل.
13- الإقليمية الجديدة New Regionalism
تشير الإقليمية إلى مدرسة نشأت في مواجهة العالمية التي دعت إلى نظام دولي جديد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية من شأنـه أن يحفظ السلم والاستقرار.
وعادة ما يجرى طرح مفهوم "الإقليمية الجديدة" كتطوير "للإقليمية القديمة" التي تعكس في أسلوب تحقيقها الظروف الاقتصادية والسياسية التي سادت حتى نهاية عقد الثمانينات، حيث تمثل هدفها في الانسحاب من السوق الدولية بغرض إنجاز التنمية والتكامل من خلال التخطيط المركزى وسياسة إزالة الحواجز الجمركية مع إعطاء معاملة تفضيلية للدول النامية بهذا الصدد. أما "الإقليمية الجديدة" التي أنتجتها شروط العولمة الاقتصادية مع مطلع التسعينيات فتسعى إلى تحرير قوى السوق عبر تفعيل القطاع الخاص، وتحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال زيادة الاعتماد على التصدير الموجه نحو الخارج، كما تسعى إلى تعزيز درجة التكامل من خلال إزالة الحواجز أمام تدفق الاستثمارات والخدمات وفقا لتشريعات وقواعد موحدة.
هذا ولقد أدت عوامل متعددة إلى بروز ظاهرة الإقليمية الجديدة أهمها انهيار نظام "بريتون وودز" لأسعار الصرف الثابتة، وتراجع الوزن النسبى للقوى التجارية الكبرى في العالم وذلك بصعود قوى تجارية جديدة (دول جنوب شرق آسيا)، إلى جانب تآكل قواعد النظام التجاري العالمي، وانهيار الاشتراكية كنظام وكنموذج اقتصادي واجتماعي وسياسي، وحدوث تباين كبير بين دول الجنوب فيما يخص الاهتمامات والمصالح والأهداف، فضلا عن التوسع المتزايد في عدد الشركات متعددة الجنسيات وكذلك في نشاطها.
وقد أخذت الإقليمية الجديدة شكلين أساسين:
* شكل تكتلات تجارية ترتكز على فرضية تسهيل العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء بدءا بالمناطق التجارية الحرة.
* تكتلات صناعية تقوم على أساس التخصص وتقسيم العمل في صناعة واحدة أو مجموعة من الصناعات بين مجموعة من الدول.
وكما أن للإقليمية الجديدة إيجابيات فإن لها كذلك سلبيات، ومن أهم إيجابياتها: مساهمتها في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي ومن ثم تعزيزها للأمن والسلام وذلك بفضل الاعتماد الاقتصادي المتبادل، وإسهامها في توسيع نطاق الأسواق وفي خلق اقتصادات ضخمة، وتحقيق المزيد من التقدم التكنولوجي والاقتصادي، كما أن المفاوضات الإقليمية تعزز المفاوضات العالمية وتتلافي احتمالات نشوب النزاعات التجارية، هذا إلى جانب أنها (أي المفاوضات الإقليمية) تعد أكثر كفاءة وفاعلية وإجرائية في مناقشة قضايا ذات صبغة إقليمية محضة بدلا من طرحها على مائدة التفاوض الدولي.
أما أبرز سلبياتها فتتمثل في أن التكتلات الإقليمية الكبرى (كالاتحاد الأوروبي بصدارته الفرنسية-الألمانية، والنافتا بزعامة أمريكا، والتكتل التجاري لجنوب شرق آسيا أو الباسيفسكى بقيادة اليابان ..) تمارس تأثيرا تمييزيا واستبعادياً لغير شركائها، وهو ما قد يؤدى إلى تأجيج عوامل الاحتكاك والصراع بينها وبين غيرها من الدول والكتل الأخرى، وما يترتب على ذلك من إخلال بالسلام والاستقرار الدوليين، إلى جانب تكريس تهميش الدول الخارجة عن إطار هذه التكتلات وبالأساس دول الجنوب، خاصة أن الإقليمية الجديدة لم تنجح حتى الآن في إبداع إطار فكرى أو عملي يتعلق بكيفية الربط بين مختلف التكتلات الاقتصادية ضمن منظومة عالمية واحدة.
في هذا الإطار تثار ضرورة جعل هذه التكتلات الاقتصاديـة مفتوحة العضوية، ووجوب أخذها بقاعدة "الدولة الأولى بالرعاية"، وكذا تعديل المادة 24 من اتفاقية "الجات" التي تحدد قواعد تشكيل التكتلات الاقتصادية والإقليمية، وتحديدا ضرورة وجود تعريفات جمركية مشتركة بين الدول الأعضاء، وإشراك المؤسسات الاقتصادية الدولية في مناقشة سياسات هذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية وبحث سبل التنسيق فيما بينها، والتقييم المستمر لأدائها من طرف القمة الدورية لمجموعة الدول الصناعية الكبرى، لضمان تحقيق التقدم في مسار تحرير التجارة العالمية.
14- المواطنة Citizenship
يشير مفهوم المواطنة إلى الانتماء إلى دولة بذاتها كبديل عن الانتماء التقليدي للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو الملة، ويرتب مجموعة من الحقوق والواجبات على من يتمتع بهذه الصفة. ولقد مر المفهوم بتطورات عميقة على مدار التاريخ، واكتسب شكله الحديث على أثر اندلاع الثورة الفرنسية والإعلان عن بيان حقوق الإنسان و المواطن، وانتشر في أعقاب الحركات القومية الأوروبية.
ولقد شهدت عناصر هذا المفهوم اتساعا متناميا بعد الحرب العالمية الثانية وصدور القوانين الاجتماعية الكفيلة بتحقيق المساواة بين الأفراد، وتبلورت من وجهة نظر الباحثين في أربعة مقومات رئيسية، المقوم الأول هو المقوم السياسي الذي يتمتع بمقتضاه المواطن بجملة حقوق أبرزها حقه الحصرى في ممارسة الانتخاب والترشيح وشغل وظائف السيادة وتمثيل بلده في الخارج. المقوم الثاني هو المقوم الاقتصادي وأهم مظاهره التمتع دون قيود بحقه في الملكية. المقوم الثالث هو المقوم الاجتماعي مثل حقه في الصحة و التعليم. أما المقوم الرابع والأخير فهو المقوم الثقافي الذي عبرت عنه الاتجاهات الحديثة التي جعلت المواطنة الجديدة تجسيدا لحياة جماعية تصفها مجموعة متآلفة من الأفراد يقوم بينهم رابط أنساني قانوني سياسي أو ثقافي.
ظهر هذا المفهوم منذ عام 1989 في كتابات البنك الدولي في إشارة إلى كيفية تحقيق التنمية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ثم ما لبث أن اكتسب أهمية خاصة في مجالات الإدارة العامة والسياسات المقارنة مع الانتقال من التركيز على مفهوم الحكومة الذي يقوم على مسلمة اضطلاع الوزارة بالدور الرئيسي في ممارسة السلطة، إلى المفهوم موضع التحليل الذي يقوم على مشاركة المجتمع للوزارة في ممارسة تلك الإدارة.
تعريف قدمه البنك الدولي للمفهوم وصفه فيه بأنه "أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية"، وهو التعريف الذي يقترب من التعريف الذي تبناه ديفيد إيستون لعلم السياسة بأنه "التوزيع السلطوي للقيم". كما تجلى أيضا في تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقوامه أن الـ Governance هو "ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها". وفى هذا السياق من المفيد الإشارة إلى المؤشرات التي طرحها البنك الدولي للدلالة على المفهوم، وذلك على النحو التالي:
• الشفافية
• المساءلة (المحاسبية)
• المشاركة السياسية
• حكم القانون
ومن واقع تلك المؤشرات يذهب البعض إلى أن مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع يمثل إعادة إنتاج مفهوم الديموقراطية الذي يتفق معه في المحتوى. وذلك في حين يذهب البعض الآخر إلى أن المفهوم الجديد أكثر شمولا كونه ينطوى على ترابط بين مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإدارية، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى غير الرسمي، الداخلي أو الإقليمي.
2الشفافية
يشير مفهوم الشفافية إلى حرية الوصول إلى المعلومات وما يقابلها من الالتزام بالإفصاح عن هذه المعلومات، ويغطى مفهوم الشفافية كما يرى البعض ثلاثة مجالات رئيسية هي: إجراءات العمل، وتخصيص الموارد، وأسلوب اتخاذ القرار. أى أن الشفافية تعتمد على توفير المعلومات وعدم حجبها وانتقالها الحر بدون حواجز.
وتتحقق الشفافية عندما تترسخ حرية التعبير التي تمكن من الإعلام الحر، إذ أن حرية الإعلام ليست شرطا ضروريا للشفافية فحسب، ولكنها ضرورية كذلك لمباشرة المساءلة بقصد وقف أعمال التجاوز والتحايل، فضلا عن أهميتها لممارسة حق المشاركة في صنع القرار.
3حكم القانون
يتضمن مفهوم حكم القانون أو سيادته إعمال القاعدة القانونية نفسها في الحالات المتماثلة، وبغض النظر عن المراكز الاجتماعية للأطراف ذات الصلة وهو ما يعبر عنه بالمساواة أمام القانون. ويرتبط حكم القانون باستقلال السلطة القضائية على نحو لا يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل في عملها والتأثير على أحكامها.
4المساءلة (المحاسبة)
يشير مفهوم المساءلة إلى وجود طرق وأساليب متقنة ومؤسسية تمكن من مساءلة الشخص المسؤول ومراقبة أعماله وتصرفاته في إدارة الشئون العامة، مع إمكانية إقالته إذا ما تجاوز السلطة أو أخل بثقة الناس، وهذه المساءلة مضمونة بحكـم القانون ومتحققة بوجود قضـاء مستقل ومحايد ومنصف.
5المشاركة السياسية
في هذه الجزئية يمكن التركيز على بعد مهم من أبعاد المشاركة يتعلق بتمكين النساء Empowerment of women والذي يربط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بينه وبين إدارة شئون الدولة والمجتمع، حيث يجعل حسن الإدارة رهن إشراك النساء في صنع القرار على مختلف المستويات التي تبدأ بالأسرة وتنتهي بالدولة، مع التركيز على أهمية اقتران هذه المشاركة بامتلاك القوة الحقيقية.
وقد تأكد مثل هذا الربط خلال المؤتمر الدولي للحكم والتنمية المتواصلة والعدالة. ويكمن الاقتناع بأهمية مشاركة النساء في عملية صنع القرار وراء اتجاه عدد متزايد من الدول بما في ذلك على مستوى الوطن العربي لتخصيص حصص لتمثيل النساء في المجالس التشريعية.
6- الأصولية Fundamentalism
يعد مفهوم الأصولية من المفاهيم حديثة المنشأ نسبيا في المجال الثقافي الغربي، حيث لم يرد ذكره في اللغة والمعاجم إلا حديثا. وفي هذا الإطار يشير روجيه جارودي إلى أن كلمة أصولية لم يعرض لها معجم "روبير الكبير" سنة 1966، كما لم تتعرض لها الموسوعة العالمية سنة 1968. أما قاموس "لاروس الصغير" فقد أعطاها تعريفا بالغ العمومية مفاده أنها موقف أولئك الذين يرفضون تكييف العقيدة مع الظروف الجديدة، في حين ربطها "لاروس الجيب" سنة 1979 بالكاثوليكية وحدها على اعتبار أنها "استعداد لدى الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الحديثة". ومن بعد توالى اهتمام المعاجم الغربية بالمفهوم مؤكدة أن الأصولي هو ذلك الشخص الرافض للتكيف مع مستجدات العصر ويستخدم العنف في مقاومتها.
وفي هذا الإطار تبنت الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم دراسة مختلف الأصوليات تحت عنوان "المشروع الأصولي" منذ عام 1988، وانتهت إلى أن الأصولية ترى ضرورة تشكيل العالم لاستخدام العنف والإرهاب، وتؤمن بضرورة السيطرة على وسائل التعليم والإعلام، إلى جانب رفضها التمييز بين الحياة العامة والحياة الخاصة، مع التأكيد على ضرورة التطبيق الحرفي للقانون الإلهي.
يذكر أن أول نموذج غربي جسد المعنى السابق للأصولية كان "النموذج الكنسي" حيث قمعت الكنيسة الحريات، وصادرت الأفكار والمعتقدات، ومارست الاستبداد السياسي، وشكلت محاكم التفتيش لتأديب المخالفين والرافضين والمحتجين.
هذا عن الأصولية في السياق الحضاري الغربي، أما عن الأصولية في السياق الحضاري العربي الإسلامي، فالملاحظ أن دارسي الظاهرة يختلفون شديد الاختلاف في تحديد نشأتها أكثر مما يختلفون حول تحديد دلالتها ومفهومها، إذ غالبا ما يتم إسقاط الخبرات الثقافية التي تحددت في ظل سياق غربي معين على هذا المفهوم.
وفي هذا الإطار يجرى تحديد الأصولية باعتبارها الرؤية التي تتخذ من الأصل، سواء كان نصا دينيا أو مذهبا سياسيا أو جذرا عرقيا، مرجعا أساسيا وسندا نهائيا لمفاهيمها وسلوكها. وفي جميع الأحوال فإن الوقوف على الدلالة المعاصرة لمفهوم الأصولية يفضي بنا إلى نتائج ثلاث أساسية:
أ- أن الدلالات التي يستنبطها هذا المصطلح في التداول اللغوي والثقافي الغربي، غريبة تماما عن الحمولات الدلالية التي يختزنها في المجال التداولي الثقافي واللغوي العربي الإسلامي، ذلك أن مفهوم "أصولية" ليس غريبا عن حقل اللغة والثقافة للإشارة إلى ما هو أصيل فيها ووليد شرعي لها. والمستقرئ للمعاجم العربية ولاستعمال القران الكريم والحديث لهذا المفهوم وأصله ومشتقاته لا يكاد يعثر على الدلالات التي يحملها المفهوم في الفكر الغربي أو في الترجمة العربية له.
ب- إن مادة (أ - ص - ل) وما يرتبط بها من مشتقات كأصول وأصيل تشير كلها بصورة أو بأخرى إلى أول الشيء وبدايته. أما في مجال العلوم الإسلامية فيعد علم الأصول بمثابة العلم التأسيسي، أي العلم الذي يمكن من عملية الفهم، فعلم الأصول بالنسبة للفقه بمثابة المنطق بالنسبة لسائر العلوم الفلسفية، ومثل النحو بالنسبة لعلوم اللغة العربية. وبهذا المعنى فإن الأصولي هو العالم المشتغل بوضع المناهج والضوابط واستخراج القواعد الكلية عن طريق استقراء الأدلة المختلفة حيث يقدم خلاصة جهده للفقيه كى يوظفها في استنباط الأحكام الشرعية العملية من واقع أدلتها التفصيلية.
ج- إن القول بان "الأصولية" كمنهج فكرى يقوم على الانغلاق والإقصاء والعنف يجد أصوله في التجربة الحضارية الغربية لا يعنى أن التجربة التاريخية العربية الإسلامية في الماضي والحاضر قد سلمت من بعض أشكال "الأصولية" السلبية، من منطلق أن الحركات الأصولية تعد في المقام الأول حركات اجتماعية تقدم استجابات مختلفة للواقع المعاش، ومن تلك الاستجابات الميل إلى إلغاء الآخر على مستوى الخطاب أو إلى الانزلاق للعنف على مستوى الممارسة.
وتبعا لهذا التفسير السوسيولوجى فإن النزوع الأصولي لا يقتصر على الحركات الدينية وإنما يتعداها إلى كل حركة اجتماعية بما فيها الحركات العلمانية التي تتخذ أحيانا مواقف تتراوح بين إقصاء الغير والجمود النصي، وبين الانفتاح على الآخر والاستعداد للحوار معه.
د- إن التعامل مع ظاهرة الأصولية "الإسلامية" يجب أن يتم في إطار الوعي بأمرين، الأول محاولة توريث الإسلام عداء الغرب للشيوعية الذي خفت بانهيار الاتحاد السوفيتي. والآخر تجاهل أن المد الأصولي يشمل الديانات الثلاث من خلال ظاهرة صعود اليمين الجديد إلى السلطة أو ممارسته في القليل واحداً من أشكال التأثير عليها.
7- البيئة Environment
يعرف البعض البيئة بأنها نظام ديناميكي معقد ذو مكونات متشابكة ومتعددة، تأسيساً على أن التنمية أصبحت تتخذ منحى شمولياً ومتواصلاً على نحو جعل من الضروري إدماج البعد البيئي بين مكوناتها، والتأكيد على أن الأمن البيئي هو جزء متمم للأمن القومي والأمن العالمي. ويثير هذا المدخل في مقاربة مفهوم البيئة قضايا ثلاث أساسية، القضية الأولى ارتباط الحفاظ على البيئة بتطوير المشاركة الشعبية وحفز جهود المجتمع المدني وبالتالي ترسيخ أسس النظام الديمقراطي، خصوصا بعد أن تجاوز الاهتمام بتوفير حياة أفضل للإنسان حدود مكافحة التلوث البيئي التقليدي في الهواء والمياه والتربة إلى مكافحة التلوث ذاته على مستوى ما يؤذى السمع والبصر، وبالتالي استحداث مهام وأعباء جديدة تقصر عنها الإمكانيات الرسمية للدولة. القضية الثانية أن تلويث البيئة يتخطى انتهاك حقوق الجيل الحالي إلى الأجيال التالية بالنظر إلى تشعب آثاره وطول أمدها. القضية الثالثة تداعى آثار التهديد البيئي وتجاوزها الحدود السياسية للدولة لاسيما مع التطوير الكبير في وسائل الاتصال على نحو صار معه العالم أقرب ما يكون إلى القرية الصغيرة. وبالتالي فإن تسرب الغاز من أحد المفاعلات النووية، أو انتشار فيروس معد، أو تلوث مياه بحر أو محيط، أصبحوا يمثلون جميعاً تهديداً للبيئة الدولية بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى التشديد على ضرورة التعاون الدولي في مجال الحفاظ على البيئة والتجاوز عن الاتهام التقليدي للدولة النامية بأنها المسئولة عن تلويث البيئة بعد أن أصبح معلوماً اقتران التقدم التكنولوجي بمستوى عال من التلوث، وبالتالي فإن المخاطر البيئية لا يخفف منها تملص الدول المتقدمة من مسئوليتها بل يحد منها تعاونها مع الدول النامية في مواجهتها. وفي هذا الإطار عقد عدد من المؤتمرات الدولية ذات الصلة، أهمها مؤتمر ريودي جانيرو. كما تم التوصل إلى بروتوكول كيوتو.
8- الحكومة الإلكترونية Electronic Government
تعد فكرة الحكومة الإلكترونية من الأفكار الجديدة في تطبيقها، إلا أنها على المستوى النظري تعد قديمة نسبيا حيث تجسدت المؤشرات الأولى لها في النصف الأول من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية بفضل جهود إدارة العمل والتأمينات الاجتماعية.
أما مفهومها فيشير إلى "المزج الكامل بين استراتيجية تنفيذ المهام والمسئوليات التي تضطلع بها الحكومة، واستراتيجية تكنولوجيا المعلومات واتجاهاتها العالمية الحالية والمستقبلية عند وضع السياسات العامة للدولة، واتخاذ الأساليب الإلكترونية منهاجا رئيسيا لآليات تنفيذ تلك السياسات". ويهدف هذا المفهوم إلى النظر في التطور الشامل الذي ألم بتكنولوجيا المعلومات واستخداماتها وفي تطبيق السياسات العامة للدولة استنادا إلى هذا التطور.
ومن أهم محاور الحكومة الإلكترونية ما يتصل بطبيعة العلاقة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين والمقيمين على أرضها من الأجانب وما تقدمه لهم من خدمات، تلك العلاقة التي تتيح إمكانية تتبع أوجه الصرف وانتقال الأموال في حال اعتماد النقود الرقمية أو المعاملات المالية الإلكترونية، وتسمح بفرصة الاتجار في السوق الإلكترونية، فضلا عن تغلبها على كثير من المعيقات الثقافية لمحو الأمية من خلال نظام تعليمي جديد هو التعليم عن بعد، وجميعها متغيرات جديدة تهدف إلى مكافحة الجمود البيروقراطي وتستفيد من الإمكانيات الكبيرة التي تهيئها شبكة المعلومات العالمية في هذا الخصوص.
ويذهب البعض إلى أنه لكي تصبح فكرة الحكومة الإلكترونية ناجحة في المجتمع المعلوماتي يجب أن تـكون هناك منطقة "لا سياسية خالصة" (Non - political zone) تعمل من خلالها هذه الحكومة. وإن ظل أهم معيار لفاعلية الحكومة الإلكترونية يتوقف على مدى نجاحها في إخراج النشاط الإداري للدولة من الحالة الانتقائية. وكانت مسألة الانتقائية هذه قد شكلت محور نقاش الدورة الرابعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بكونها (أي الانتقائية) نقيض المساواة والحياد والموضوعية، مما حدا إلى اعتبارها أمرا يتعارض مع حقوق الإنسان، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 54/174 بتاريخ 15/2/2000.
ومن أهم المسائل القانونية التي يثيرها عمل الحكومة الإلكترونية، ما يذكر بشأن إتمام الإجراءات الإدارية والمالية (كاستخراج جواز سفر أو بطاقة شخصية، أو القيام بتحويل مالي، أو الاطلاع على النتائج التعليمية للامتحانات والمباريات إلكترونيا) بإعداد نماذج معينة تعبأ عبر الإنترنت بغرض توفير الوقت والجهد والمال، وما يستلزمه ذلك من ضرورة وجود توافق على مشروعية هذا الإجراء بمعنى وجوب التزام النماذج المذكورة بالتشريع الذي وضعت على أساسه، مع ضرورة التعديل الدوري لتك النماذج لمسايرة التعديلات التي قد تدخل على التشريعات النافذة ذات الصلة.
9- التدخل الدولي الإنساني International Humanitarian Intervention
لم يشع استخدام مفهوم التدخل الدولي الإنساني بشكل ملحوظ إلا حديثا خاصة مع بداية عقد التسعينيات، إلا أنه يعد مفهوما قديما نسبيا؛ حيث وجد هذا المبدأ تطبيقات عديدة له في العمل الدولي منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما أن بعض مصادر مرجعيته تعود إلى مذاهب الفكر الديني والفلسفي الأوروبي. فقد ظهر المبدأ مرتبطا في جانب منه بما اصطلح على تسميته في الفكر القانوني والسياسي الغربي بالحرب العادلة أو المشروعة. إلا أنه ارتبط بعد الحرب العالمية الثانية بمبدأ حماية الأقليات، حيث جرى النظر إلى هذا التدخل باعتباره البديل الذي ينبغي اللجوء إليه في حالة إخفاق الأساليب الأخرى المتعارف عليها وقتذاك، أي قاعدة الحد الأدنى في معاملة الأجانب، ونظام الامتيازات الأجنبية، ومبدأ الحماية الدبلوماسية. مؤدى هذا أن التدخل إنما كان يستهدف توفير الحماية لرعايا الدولة أو الدول المتدخلة، ولم يكن مقصودا منه أبدا حماية مواطني الدولة أو الدول نفسها التي تنتهك فيها حقوق الإنسان وحرياته.
غير أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الأمم المتحدة أمست الحماية الدولية لحقوق الإنسان تمثل إحدى المبادئ الرئيسية الحاكمة للتنظيم الدولي. لكن على الرغم من وجود الضمانات الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي قررتها المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومنها الضمانة المتمثلة في إمكان تدخل المجتمع الدولي لكفالة الاحترام الواجب لهذه الحقوق وتلك الحريات إلا أنها كمبدأ عام ظلت بعيدة عن التطبيق الفعلي خلال العقود الأربعة الأولى من حياة الأمم المتحدة، ثم تكرر اللجوء إليها في عقد التسعينيات بشكل انتقائي. وتحكم مبدأ التدخل الإنساني في الغالب الأعم اعتبارات المصالح السياسية المباشرة للجهة ذات المصلحة في التدخل، وإن كان عادة ما يجرى تبرير هذا الإجراء بفكرة الواجب الأخلاقي بحيث يعدو هذا التدخل تدخلا أخلاقياً.
وبناء على ذلك فقد انقسم الفقه القانوني الدولي العام في موقفه من مدى مشروعية التدخل الإنساني أو التدخل لأغراض إنسانية إلى: فريق موافق وآخر معترض، يتوسطهما فريق يعلق المبدأ على عدة شروط أهمها: وقوع انتهاكات جسيمة وبشكل منتظم لحقوق الإنسان الأساسية واستنفاد كافة محاولات وقف مثل هذه الانتهاكات سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني، وإمعان السلطات المعنية في الدولة في عدم بذل أي جهد لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، والالتزام بالمعايير الدولية المستقرة في شأن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وألا يكون من أهداف هذا التدخل بشكل خاص السعي إلى إحداث أي تغيير في هيكل السلطة في المجتمع، وألا يكون انتقائيا بل يقع حيثما تتأكد موجبات وقوعه، وأن يتم بإرادة جماعية بناء على قرار صحيح صادر عن الأمم المتحدة أو عن إحدى المنظمات الأخرى ذات الصلة ولا تضطلع بمسئوليته دولة (أو دولتان) أيا يكن وضعهما في إطار النظام الدولي، وألا يكون من شأن هذا التدخل إحداث أضرار تتجاوز الهدف المتوخى منه.
وقد شهدت مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ارتبطت بإنشاء منصب منسق الإغاثة الطارئة Emergency Relief Coordinator في نهاية عام 1991 جانباً من التعبير عن اتجاهات الآراء السابقة. فقد عارضت مصر والمكسيك إقرار حق التدخل الدولي الإنساني استناداً إلى نص المادة (2) فقرة (7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التدخل في أمور سياسية تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدول. وعبر ممثل كل من بريطانيا والبرازيل عن الموقف نفسه انطلاقاً من أن "من غير المقبول أخلاقياً التدخل ضد سيادة الدول الأعضاء". وعلى الرغم من تأييد ممثل فرنسا إنشاء وظيفة المنسق الدولي إلا أنه انضم إلى الرأي السابق وهاجم الترخيص بالتدخل. لكن في مواجهة هذا الاتجاه المعارض، كان ثمة اتجاه آخر يؤيد التدخل، وقد سبق للأمين العام السابق للأمم المتحدة سير خافير بيريز دى كويار أن عبر عن هذا الموقف في عام 1991 عندما أعلن أن السيادة لا تعنى سلطة تنفيذ المذابح الجماعية. وأيده في موقفه وزير الخارجية الإيطالي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام نفسه منوهاً إلى أن "التدخل الذي يهدى إلى تأمين حقوق الإنسان واحترام المبدأ الأساسي للتعايش السلمي، امتياز للجماعة الدولية التي ينبغى أن تكون لها القوة لوقف السيادة حينما تمارس بطريقة إجرامية". كما دعا ممثلو بعض دول أوروبا الشرقية داخل الجمعية العامة إلى اعتبار حقوق الإنسان شأناً عاماً، ومقاومة السيادة التي تتخذ ذريعة لتجاهل تلك الحقوق.
وعززت التطورات خلال التسعينيات من الجدل الدولي حول التدخل الدولي الإنساني بفعل ثلاثة عوامل متزامنة، أولها وقوع أزمات داخلية كبرى في عدة دول تتخللها انتهاكات جسيمة ومنهجية تصل إلى حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية يكون قد راح ضحيتها آلاف الضحايا (الصومال – البوسنة – رواندا – كوسوفو – تيمور الشرقية) وأدت إلى تدخلات عسكرية دولية من خلال أنماط مختلفة تحت لافتة التدخل الإنساني. وثانيها أثر تغير ميزان القوى داخل الأمم المتحدة بعد زوال الاتحاد السوفيتي وغياب القطبية الثنائية، وزيادة هواجس بعض المجموعات الدولية وخصوصاً البلدان النامية المعرضة لأن تكون هدفاً لمثل هذا التدخل. وثالثها توجه الأمم المتحدة نحو تقنين مبدأ التدخل الدولي الإنساني، عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم إلى قمة الدورة الألفية للجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2000.
10 السيادة Sovereignty
يعد مبدأ سيادة الدولة من المبادئ الأساسية التي انبثقت عن صلح وستفاليا سنة 1648، وشكل من ذلك الحين أحد أهم القواعد التي قام عليها النظام الدولي الحديث بشكل أساسي. ويشير مفهوم السيادة داخليا إلى السلطة الشرعية الشاملة والمطلقة التي تمارسها الدولة على إقليم محدد. أما خارجيا فيرتبط المفهوم أساسا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وكذا المساواة القانونية بين هذه الدول في مختلف علاقاتها وتعاملاتها الدولية. وفي هذا الإطار اعتبر الفقه القانونى الدولي أن الدولة لا تكون مستقلة وذات سيادة إلا إذا توافرت لها ثلاثة شروط محورية، أولها استئثارها بممارسة كافة الاختصاصات والصلاحيات المتصلة بشئون إقليمها. وثانيها استقلالها في ممارستها لهذه الاختصاصات والصلاحيات عن أى ضغط أو تأثير من أية قوة دولية وعدم الخضوع لها. أما ثالثها فيتمثل في شمولية ممارستها لاختصاصاتها وصلاحيتها بحيث لا يتم تقييد مجالها.
ويترتب على هذا المفهوم التقليدي للسيادة أن الدولة تستأثر بوضع نظامها الدستوري، والسياسي، والأمني، ورسم توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، واختيار منظوماتها الثقافية والإعلامية والقيمية، وذلك في استقلال تام عن مختلف القوى والمؤثرات الخارجية. ويجرى في هذا السياق التمييز بين ثلاثة أنواع أساسية للسيادة هي: السيادة الشعبية، والسيادة الوطنية، وسيادة الحق الإلهي.
لكن على الرغم من أن مفهوم السيادة لا يزال يتمتع ببعض مظاهره الأساسية (البعثات الدبلوماسية، احترام الحدود السياسية، العلم الوطني، الوظيفة العسكرية) إلا أنه وبفعل العديد من التحولات العالمية لم يعد نافذ المفعول. فلقد أصبحت الدولة عاجزة عن السيطرة على تنامي التأثيرات الخارجية على أوضاعها الداخلية، تلك التأثيرات التي تتجلى عبر وسائل مختلفة من قبيل ظاهرة الهجرة والمشاكل المصاحبة لها والآخذة في التفاقم بفعل تسييل الحدود بين الدول. كما أن سيادة الدولة فيما يتصل بلغتها الوطنية وثقافتها ومنظومة قيمها أخذت في التآكل أمام تأثيرات وسائل الإعلام الكونية والأقمار الصناعية في شبكة المعلومات الدولية. هذا إلى أن سيادة الدولة على اقتصادها الوطني ممثلا في عملتها الوطنية قد بدأت في التراجع الفعلي أمام منافسة البطاقات الائتمانية التي تعمل خارج نطاق النظام المصرفي، على صعيد آخر، تأثر النشاط الاقتصادي للدولة بتطور البورصات العالمية وتدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الدولية. أكثر من ذلك فإن تفرد الدولة بتحقيق الأمن على أرضها أصبح ينال منه تكاثر المؤسسات الأمنية الخاصة التي تتكفل بحماية الشخصيات العامة وحفظ ممتلكاتها. وبالتوازي مع ذلك، أخذت تتحلل مظاهر السيادة الوطنية على المستوى الدولي بتنازل بعض الحكومات عن جانب من اختصاصاتها الداخلية للمجتمع الدولي من قبيل مراقبة الانتخابات، والتفتيش على أوضاع السجون، مع الاتجاه نحو تقنيين أشكال من التدخل تحت مسمى التدخل الدولي الإنساني. وقد استهل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان هذا التطور بطرح فكرة مفهومين للسيادة، أكد من خلالهما على أن جوهر مبدأ سيادة الدولة يجرى تعريفه في ظل العولمة والتعاون الدولي، وأن الدولة أصبح ينظر إليها كخادم للشعب وليس العكس، وأنه أصبح من المتعين على المجتمع الدولي أن يصل إلى توافق ليس فقط بشأن مواجهة الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان أينما وقعت، لكن أيضا بشأن طريقة صنع القرار حول الإجراءات الضرورية لمواجهة تلك الانتهاكات ومن يتخذ هذه الإجراءات.
وبوقوع أحداث سبتمبر/أيلول 2001 اكتسب منطق تقييد السيادة دفعة أكبر من منطلق حماية مصالح المجتمع الدولي، وشرع بعض منظري الولايات المتحدة في تبرير هذا التقييد بمبررات ثلاثة هي: قمع المواطنين وقهرهم، وممارسة الإرهاب، وحيازة أسلحة الدمار الشامل وتهريبها للجماعات الإرهابية. لكن المهم في تصور تآكل السيادة الوطنية تحت تأثير العولمة، الوعي بالاختلاف النسبي في هذا التأثير من دولة لأخرى بحسب توازنات القوة السائدة ودرجة إسهام كل منها في إنتاج مظاهر العولمة. وبالتالي فإن سيادة دولة مثل الولايات المتحدة تعد الأقل تضررا من نتائج العولمة، طالما أن جملة المؤسسات التي ساهمت بدور في إنشائها وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية لا تلزمها سياستها بالضرورة، هذا في الوقت الذي يشرع فيه برلمانها قوانين تسرى على العالم (قانون داماتو وحماية الأقليات كنموذجين)، كما تعطى لنفسها الحق في التدخل لتغيير النظم السياسية للدول بالمخالفة الصريحة لميثاق الأمم المتحدة، وتطالب بإنهاء الوجود الأجنبي في هذه الدولة أو تلك فيما تحتل قواتها دولا أخرى.
11- الشبكات Networks
يعد مفهوم الشبكات من المفاهيم الحديثة التي شاع استخدامها بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية للإشارة إلى عملية التشبيك (Networking) التي تربط أعدادا كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني الوطنية والإقليمية التي يتجاوز نشاطها وعملها الحدود السياسية أو الجغرافية بغرض الدفاع عن قضايا لها صفة الكونية. فالشبكات بهذا المعنى تعبر عن ظاهرة "عولمية" تتجاوز الحدود الوطنية لينتظم في إطارها المواطنون من كل الأجناس والعقائد والأيديولوجيات دفاعا عن قضايا وقيم تشكل موضوع توافق عالمي، كالدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، والبيئة، والمرأة، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، فالشبكة تحيل إلى جملة العمليات والأنشطة التي يقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها المنظمات غير الحكومية على الصعيد العالمي لتحقيق أكبر قدر من التضامن والتآزر حول القضايا التي تؤمن بها وتدافع عنها.
بقول آخر تعبر الشبكات عن إطار طوعي يضم أفرادا أو مجموعات أو منظمات بطريقة أفقية غير تراتبية تهدف إلى تبادل المعلومات والخبرات والتجارب، كما تمثل آلية للتواصل ومصدرا للقوة والتأثير. ولقد جرى التعبير عن ظاهرة التشبيك بتعبيرات مختلفة كتعبير المجتمع المدني العالمي، ولو أن البعض يذهب إلى أن الشبكة ما هي إلا مكون من مكونات هذا المجتمع، وكتعبير المجتمع المدني غير القومي، وتعبير المنظمات الدولية غير الحكومية، وكذا المنظمات غير الحكومية متعددة الجنسية، وإن كان يؤخذ على المضاهاة بين المنظمات غير الحكومية والشبكات إهمال حق الأفراد غير المنظمين مؤسسيا بالضرورة في الالتحاق بتلك الشبكات، إضافة إلى أن بعض الشبكات قد تجمع في عضويتها منظمات رسمية إلى جانب تلك غير الرسمية، وإن كان ذلك يمثل الاستثناء كون الأصل في الشبكات أنها تعبر عن أشكال من التفاعلات غير الرسمية.
والواقع أن الحديث عن الشبكات بصيغة الجمع يعكس، في حقيقة الأمر، حجم التنوع فيما يتصل بعدد الأعضاء، ومجال الانتشار الجغرافي، وإمكانات التمويل، وكذا طبيعة النشاط وأهدافه. ويعد الاتجاه نحو التشبيك امتدادا نوعيا للحركات الاجتماعية التي استطاعت خلال القرن العشرين أن تواجه مختلف مظاهر الاستغلال الرأسمالي حيث حرص العمال على بلورة تنظيمات وطنية أسفرت عن إقرار تشريعات لحماية البيئة، وتكوين اتحادات عمالية قوية، وفرض ضرائب تصاعدية، والاستثمار في مجال الخدمات العامة.
أكثر من ذلك شكلت الدول النامية في السبعينيات من القرن الماضي مجموعة الـ 77 التي كان لها الفضل في انطلاق الحوار بين الشمال والجنوب من أجل صياغة نظام اقتصادى عالمي جديد. غير أن انسحاب الدول الغنية من هذا الحوار في الثمانينيات ومساندتها للسياسات التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية على دول الجنوب، أدى إلى قيام شبكات من الجمعيات الأهلية لمقاومة هذه السياسات، وهو ما اتضح بشكل ملموس في مؤتمر سياتل حيث عملت هذه الشبكات على تدعيم مطالب مجموعة الـ 77 فيما يتصل بإلغاء ديون الدول الفقيرة، وزيادة المعونات المقدمة لها وتيسير حصولها على التكنولوجيا.
وبالتالي فإن وجود تنظيمات اجتماعية وثقافية عالمية تهتم بقضايا محددة ليس ظاهرة جديدة، إنما الجديد فيها هو ظاهرة التشبيك التي ظهرت حديثا بين الهيئات الأهلية التي تبدأ على مستوى القاعدة في المجتمعات المحلية وترتفع إلى مستويات وطنية وإقليمية وعالمية. ومن ثم فإن ظاهرة التشبيك أو الشبكات تختلف عن التنظيمات الأهلية العالمية السابقة التي عادة ما كانت تتصف بالنخبوية والتنظيم الفوقي.
ومن أمثلة الشبكات القاعدية جمعيات حماية البيئة وجمعيات حماية المستهلك التي نجحت في استصدار بعض القوانين التي تسائل المؤسسات الصناعية، وتناقش حق الحكومات في تنظيم استخدام الجينات في الزراعة والحد من آثار العولمة في هذا الإطار.
ولقد كان للمؤتمرات الدولية التي عقدت خلال عقد التسعينيات والتي سمحت بتنظيم منتديات الهيئات الأهلية، بالتوازي مع اجتماعات الدول، دور مهم في انتشار ظاهرة الشبكات على مختلف الأصعدة. ونظرا لارتباط ظاهرة الشبكات بمواجهة المضاعفات السلبية للعولمة فقد أطلق عليها البعض اسم "العولمة من القاعدة" مقابل " العولمة من القمة".
وثمة عوامل محددة لفاعلية الشبكات تتمثل في وضوح الهدف منها، وإيمان الأطراف بهذا الهدف وتحديد أدوارهم ومسئولياتهم بناء عليه، وتشاركهم مع من يخدمون الهدف نفسه في إطار شبكات أخرى أو كأفراد، هذا مع ضرورة توفير هيكل تنظيمي قوى وجهاز إداري وفني كفء. وفي المقابل فإن ثمة تحديات تواجه الشبكات في أدائها لعملها منها ما يتعلق عموما بفكرة الحذر من التعامل مع الآخر، ومنها سلطوية النظام السياسي (الداخليس) وأحادية النظام السياسي (الدولي)، وضعف الروابط وسبل الاتصال فيما بين الداخل والخارج، وفيما بين مختلف عناصر الداخل، هذا بخلاف احتمالات فقدان الشفافية والمحاسبية.
12- صدام الحضارات Clash of Civilizations
على الرغم من أن التفاعل الحضارى، صراعا وتعاونا، قديم قدم الحضارات الإنسانية ذاتها، إلا أن مقولة "صراع الحضارات" لم تطرح بالكثافة والشمول اللذين طرحت بهما إلا على اثر نشر صموئيل هانتنجتون دراسته التي حملت العنوان نفسه بمجلة شؤون خارجية في صيف ،993. وهي الدراسة التي عمل المؤلف بعد ذلك على بلورتها وتطويرها في كتاب ذائع الصيت. تنطلق هذه المقولة من الاعتقاد بأن هوية الحضارات ستغدو مهمة بشكل متزايد في المستقبل حيث سيتشكل العالم إلى حد بعيد بسبب التدافع بين سبع أو ثماني حضارات رئيسية (هي الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الكونفوشيوسية، والحضارة اليابانية، والحضارة الهندوسية، والحضارة الأرثوذكسية، والحضارة السلافية، والحضارة اللاتينية-الأمريكية، وربما الحضارة الإفريقية)، وأن النزاعات الأكثر أهمية وخطورة في المستقبل ستنشب على امتداد خطوط الاختلاف الثقافية التي تفصل الحضارات عن بعضها البعض.
وينبه هانتنجتون إلى أن "نظريته" حول صراع الحضارات لا تعنى أن الهوية الحضارية ستحل محل كل الهويات الأخرى، أو أن الدول ستختفي بحيث تصبح كل حضارة وحدة سياسية واحدة، أو أن المجموعات الموجودة داخل كل حضارة لن تتنازع مع بعضها البعض ومع نفسها. لكن نظريته تصدر عن فرضية مفادها أن الفوارق بين الحضارات تعد فوارق موضوعية وحقيقية ومهمة، وأن الوعي الحضاري يتزايد، وأن الصراع بين الحضارات سيحل محل الصراعات الأخرى بما فيها تلك الأيديولوجية.
فإذا كان الصراع بعد اتفاقية وستفاليا قد اشتعل بين أمراء وأباطرة، ثم تطور بعد الثورة الفرنسية ليصبح بين دول، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وبفعل الثورة البلشفية والحركة المضادة لها اتخذ طابعا أيديولوجيا متناميا، فإنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتبشير فوكوياما بنهاية التاريخ تحول مع هانتنجتون إلى صراع ثقافي ودينى.
أما العوامل التي تعزز هذا الصراع وتعمل على تأجيجه فتتمثل حسب هانتنجتون في كون الاختلافات القائمة بين الحضارات تعد اختلافات حقيقية وأساسية، وأن التداخل المتزايد بين شعوب الحضارات المختلفة من شأنه أن يقوى "الوعي الحضاري" ولا يضعفه.
كما أنه في مواجهة مضاعفات عملية التحديث وما ينتج عنها من اغتراب الناس عن هوياتهم الأصلية، وإضعاف دور الدولة القومية كمصدر للهوية، ستنشط الحركات الأصولية عبر القومية، خصوصا أن الغرب لم يعد يشكل مصدر جاذبية، مما سيفضي للاستقواء بالذات والانكفاء عليها.
ولقد تعرضت أطروحة هانتنجتون لنقد شديد تمحور حول كونها تقدم الأساس النظرى للكره و التباغض بين أبناء الحضارات المختلفة، وإغفالها جوانب التفاعل غير الصراعية بين هذه الحضارات وهي الجوانب التي كانت على مدار التاريخ مصدرا لإثراء التراث الإنساني، وانحيازاتها الأيديولوجية الجلية، فضلا عن استشهادها بشواهد مصلحيه بحتة (العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية) للدلالة على التقارب بين الحضارات المختلفة (الحضارتان الكونفوشية والإسلامية في هذه الحالة) في تحميل للظواهر فوق ما تحتمل.
ولقد تعرضت أطروحة هانتنجتون لنقد شديد تمحور حول كونها تقدم الأساس النظرى للكره و التباغض بين أبناء الحضارات المختلفة، وإغفالها جوانب التفاعل غير الصراعية بين هذه الحضارات وهي الجوانب التي كانت على مدار التاريخ مصدرا لإثراء التراث الإنساني، وانحيازاتها الأيديولوجية الجلية، فضلا عن استشهادها بشواهد مصلحيه بحتة (العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية) للدلالة على التقارب بين الحضارات المختلفة (الحضارتان الكونفوشية والإسلامية في هذه الحالة) في تحميل للظواهر فوق ما تحتمل.
13- الإقليمية الجديدة New Regionalism
تشير الإقليمية إلى مدرسة نشأت في مواجهة العالمية التي دعت إلى نظام دولي جديد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية من شأنـه أن يحفظ السلم والاستقرار.
وعادة ما يجرى طرح مفهوم "الإقليمية الجديدة" كتطوير "للإقليمية القديمة" التي تعكس في أسلوب تحقيقها الظروف الاقتصادية والسياسية التي سادت حتى نهاية عقد الثمانينات، حيث تمثل هدفها في الانسحاب من السوق الدولية بغرض إنجاز التنمية والتكامل من خلال التخطيط المركزى وسياسة إزالة الحواجز الجمركية مع إعطاء معاملة تفضيلية للدول النامية بهذا الصدد. أما "الإقليمية الجديدة" التي أنتجتها شروط العولمة الاقتصادية مع مطلع التسعينيات فتسعى إلى تحرير قوى السوق عبر تفعيل القطاع الخاص، وتحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال زيادة الاعتماد على التصدير الموجه نحو الخارج، كما تسعى إلى تعزيز درجة التكامل من خلال إزالة الحواجز أمام تدفق الاستثمارات والخدمات وفقا لتشريعات وقواعد موحدة.
هذا ولقد أدت عوامل متعددة إلى بروز ظاهرة الإقليمية الجديدة أهمها انهيار نظام "بريتون وودز" لأسعار الصرف الثابتة، وتراجع الوزن النسبى للقوى التجارية الكبرى في العالم وذلك بصعود قوى تجارية جديدة (دول جنوب شرق آسيا)، إلى جانب تآكل قواعد النظام التجاري العالمي، وانهيار الاشتراكية كنظام وكنموذج اقتصادي واجتماعي وسياسي، وحدوث تباين كبير بين دول الجنوب فيما يخص الاهتمامات والمصالح والأهداف، فضلا عن التوسع المتزايد في عدد الشركات متعددة الجنسيات وكذلك في نشاطها.
وقد أخذت الإقليمية الجديدة شكلين أساسين:
* شكل تكتلات تجارية ترتكز على فرضية تسهيل العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء بدءا بالمناطق التجارية الحرة.
* تكتلات صناعية تقوم على أساس التخصص وتقسيم العمل في صناعة واحدة أو مجموعة من الصناعات بين مجموعة من الدول.
وكما أن للإقليمية الجديدة إيجابيات فإن لها كذلك سلبيات، ومن أهم إيجابياتها: مساهمتها في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي ومن ثم تعزيزها للأمن والسلام وذلك بفضل الاعتماد الاقتصادي المتبادل، وإسهامها في توسيع نطاق الأسواق وفي خلق اقتصادات ضخمة، وتحقيق المزيد من التقدم التكنولوجي والاقتصادي، كما أن المفاوضات الإقليمية تعزز المفاوضات العالمية وتتلافي احتمالات نشوب النزاعات التجارية، هذا إلى جانب أنها (أي المفاوضات الإقليمية) تعد أكثر كفاءة وفاعلية وإجرائية في مناقشة قضايا ذات صبغة إقليمية محضة بدلا من طرحها على مائدة التفاوض الدولي.
أما أبرز سلبياتها فتتمثل في أن التكتلات الإقليمية الكبرى (كالاتحاد الأوروبي بصدارته الفرنسية-الألمانية، والنافتا بزعامة أمريكا، والتكتل التجاري لجنوب شرق آسيا أو الباسيفسكى بقيادة اليابان ..) تمارس تأثيرا تمييزيا واستبعادياً لغير شركائها، وهو ما قد يؤدى إلى تأجيج عوامل الاحتكاك والصراع بينها وبين غيرها من الدول والكتل الأخرى، وما يترتب على ذلك من إخلال بالسلام والاستقرار الدوليين، إلى جانب تكريس تهميش الدول الخارجة عن إطار هذه التكتلات وبالأساس دول الجنوب، خاصة أن الإقليمية الجديدة لم تنجح حتى الآن في إبداع إطار فكرى أو عملي يتعلق بكيفية الربط بين مختلف التكتلات الاقتصادية ضمن منظومة عالمية واحدة.
في هذا الإطار تثار ضرورة جعل هذه التكتلات الاقتصاديـة مفتوحة العضوية، ووجوب أخذها بقاعدة "الدولة الأولى بالرعاية"، وكذا تعديل المادة 24 من اتفاقية "الجات" التي تحدد قواعد تشكيل التكتلات الاقتصادية والإقليمية، وتحديدا ضرورة وجود تعريفات جمركية مشتركة بين الدول الأعضاء، وإشراك المؤسسات الاقتصادية الدولية في مناقشة سياسات هذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية وبحث سبل التنسيق فيما بينها، والتقييم المستمر لأدائها من طرف القمة الدورية لمجموعة الدول الصناعية الكبرى، لضمان تحقيق التقدم في مسار تحرير التجارة العالمية.
14- المواطنة Citizenship
يشير مفهوم المواطنة إلى الانتماء إلى دولة بذاتها كبديل عن الانتماء التقليدي للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو الملة، ويرتب مجموعة من الحقوق والواجبات على من يتمتع بهذه الصفة. ولقد مر المفهوم بتطورات عميقة على مدار التاريخ، واكتسب شكله الحديث على أثر اندلاع الثورة الفرنسية والإعلان عن بيان حقوق الإنسان و المواطن، وانتشر في أعقاب الحركات القومية الأوروبية.
ولقد شهدت عناصر هذا المفهوم اتساعا متناميا بعد الحرب العالمية الثانية وصدور القوانين الاجتماعية الكفيلة بتحقيق المساواة بين الأفراد، وتبلورت من وجهة نظر الباحثين في أربعة مقومات رئيسية، المقوم الأول هو المقوم السياسي الذي يتمتع بمقتضاه المواطن بجملة حقوق أبرزها حقه الحصرى في ممارسة الانتخاب والترشيح وشغل وظائف السيادة وتمثيل بلده في الخارج. المقوم الثاني هو المقوم الاقتصادي وأهم مظاهره التمتع دون قيود بحقه في الملكية. المقوم الثالث هو المقوم الاجتماعي مثل حقه في الصحة و التعليم. أما المقوم الرابع والأخير فهو المقوم الثقافي الذي عبرت عنه الاتجاهات الحديثة التي جعلت المواطنة الجديدة تجسيدا لحياة جماعية تصفها مجموعة متآلفة من الأفراد يقوم بينهم رابط أنساني قانوني سياسي أو ثقافي.