مجتمع الإعلام
وثيقة عمل مقترحة من منظمة المؤتمر الإسلامي
إلى مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام 1- جنيف 2003 – تونس 2005
_______________________________
إن منظمة المؤتمر الإسلامي ، التي شاركت في اجتماع (بريكوم 1) في يوليو 2002 ، ولا سيما من خلال الاقتراحات المتعددة التي تمت بلورتها على صعيد الأجهزة المختلقة (مؤتمر وزراء الإعلام ، لجان المتابعة والخبراء ، اللجنة الدائمة المعنية بدراسة برامج تطوير الاتصال والتكنولوجيات الحديثة في مجال الاتصال والإعلام) قد واصلت هذا العمل ولم تأل جهدا في الاضطلاع على أحسن وجه بالدور الموكول إليها ، باعتبارها منظمة دولية معنية بمؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام ، وفي تأمين عملية التنسيق التي عرضت القيام بها بين هياكل مؤتمر القمة العالمي المذكور وبين الدول الأعضاء السبع والخمسين والموزعة على ثلاث قارات (إفريقيا ، آسيا ، أوروبا) .
لقد عولت منظمة المؤتمر الإسلامي دائما على الإنسان المسلم المطمئن البال في خضم عالم يشهد تحولات مثيرة ، وذلك حتى يتسنى لها أن تكسب وإياه بأمن وأمان رهانات الألفية الجديدة .
والواقع أن القضايا التي من المرتقب أن يتضمنها جدول أعمال مؤتمر القمة العالمي المذكـور ، كما صاغتها اللجنة الفرعية الثانية المنبثقة عـن (بريكوم 1) ، تهم ، من حيث حيويتها
وملاءمتها بل وتنوعها ، مجموع الدول الأعضاء لأنها مدركة على نحو أفضل لعالم مجتمع الإعلام الذي يتطور بسرعة فائقة يجعله يتجاوزها باستمرار إلى درجة بتنا نخشى معها أن يسفر تنامي الفجوة التي تتخلله عن تفاقم حالة الخلل التي تشوب تنظيمه وتناسقه .
إن نجاح أعمال التنمية التي تباشرها هذه الدول ، والتي تنتمي في غالبيتها إلى فئة البلدان النامية ، بل وإلى فئة البلدان الأقل تقدما ، يتوقف في جزء كبير منه على مدى تمكنها من تكنولوجيا الإعلام والاتصال ، بمعنى أن تجعل من مجتمع الإعلام مجتمعا للمبادرة والمعرفة ، أو بالأحرى مجتمعا لاقتصاد قوامه العلم والمعرفة .
ولقد أضحى الإعلام بالفعل ، في ظل هذا المجتمع الجديد ، مادة أولية أثمن وأنفس من جميع المواد الأولية الأخرى المعروضة في اقتصاد السوق في الوقت الراهن .
إن هذا التمكن وتلك المعرفة ، اللتين يتعين استخلاصهما ، يشكلان لوحدهما ، بصرف النظر عن الجوانب الأخرى المرتبطة بتطور البنية التحتية وتكوين المكونين والأطر الفنية .. ، حجر عثرة ، ليس فقط أمام مؤتمر القمة العالمي لمجتمع الإعلام ، وإنما كذلك أمام السياسات الوطنية لولوج مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال ولسد الفجوة الرقمية .
وفي ظل هذا المجتمع الجديد لا يسع المرء إلا أن يتساءل : ما هي المكانة التي ستخصص للإنسان في هذا الخضم؟ وبالتالي ما هي المكانة التي ستخصص للمؤسسة؟ وهل سنكتفي بأن نظل مجرد زبناء تابعين أم فاعلين متيقظين؟ بمعنى أنه يتعين علينا ألا نظل مجرد مستهلين سلبيين وإنما أن نفرض وجودنا كشركاء ومساهمين في مجتمع الإعلام .
إن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحاول أن تلامس عن قرب وباستمرار انشغالات الدول الأعضاء من خلال عملياتها المتعددة الاختصاصات بإبداء اهتمام متزايد بالفجوة الرقمية وبالتالي تحسيس هذه الدول بضرورة إطلاع مجتمعاتها على مجتمعها الإعلامي وذلك حتى تمسك بزمام استراتيجيتها ومصيرها . ومن ثم فإن مجتمع الإعلام يجبرنا على خوض معركة الحرص على البقاء وعلينا أن نفهم قواعدها .
وتحقيقا لهذه الغاية انكبت لجان التفكير منذ سبتمبر 2002 ، والتي شكلتها المنظمة على مستوى الخبراء من الدول الأعضاء ، على إعداد الاقتراحات التالية التي عرضتها في ديسمبر 2002 على أنظار اللجنة الدائمة للشؤون الثقافية والإعلام (الكومياك) التي يرأسها الرئيس عبد الله واد ، رئيس جمهورية السنغال . وقد تدارس رئيس هذه اللجنة وأعضاؤها المؤلفون من وزراء وسفراء ومهنيين إعلاميين وثقافيين ، تلك الاقتراحات واستخلصوا العناصر الملائمة والعملية وعرضوها بدورهم على المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام والاتصال الذي سيعقد نهاية شهر فبراير 2003 بالقاهرة تحت الرعاية السامية للرئيس محمد حسنى مبارك ، رئيس جمهورية مصر العربية ، وذلك من أجل وضع استراتيجية وخطة عمل للدول الأعضاء تتعلقان بمجتمع الإعلام .
ويمكن إيجاز الاقتراحات الرئيسية التي تم وضعها حتى الآن وتتعلق بالقضايا المدرجة على جدول أعمال مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام :
أولا- تجسير الفجوة الرقمية
إن المعالجة الجزئية للردود على أحد الاستبيانات الذي أرسل إلى الدول الأعضاء من أجل معرفة مدى ما أحرزته من تقدم في مجال استخدام المعلومات وتكنولوجيا الإعلام والاتصال ، ولا سيما ما يتعلق منها بالانتقال من الإعلام القياسي إلى الإعلام الرقمي ، وما تم إحرازه كذلك من تقدم في تطوير تفاعلية "أوعية القنوات الثلاث (الاتصالات السلكية واللاسلكية والمعلومات والتقارب بين الإعلام السمعي البصري والاتصال الهاتفي) والمحتوى (المعلومات والمعطيات الرقمية)" قد مكنت من استخلاص الملاحظات الجزئية التالية :
1 - وجود بعض الغموض وانعدام الثقة في وضع السياسات الوطنية في مجال تطوير البنيات الأساسية والوسائط المتعددة وتكنولوجيا الإعلام والاتصال ، وبالتالي عدم كفاية النتائج المحرز عليها والتي تظل دون الأهداف والتطلعات المنشودة .
2 - يجب على الدول الأعضاء التي تعد على رؤوس الأصابع ، ممن أحرزت نتائج مشجعة في هذا المجال ، أن تعمل باستمرار على تعزيز المكتسبات الهشة وتضاعف جهودها في تطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال وولوج الشبكة الدولية للمعلومات ، وذلك حتى يتسنى لها مواجهة تقلبات السوق والمنافسة الرهيبة التي يشنها منافسون شرسون داخل هذا القطاع العالمي . ومن ضمن البلدان الثلاثين تقريبا المربوطة على نحو سليم ، لا تتوفر سوى بضعة منها على وسائل تضاهي الوسائل المتوفرة لدى الدول الغربية .
3 - وجود نقص جلي وواضح في الأطر الكفأة على الرغم من سياسات التكوين التي غالبا ما تتسم بالطموح (هجرة الأدمغة ونزوح الأطر إلى أوروبا وأمريكا) .
4 - وجود نقص كبير على مستوى شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية الثابتة منها والمتنقلة والبنيات التحتية للنقل والمواصلات والشبكة المرئية والمسموعة والتجهيزات وتقادم المناطق الريفية والتجهيزات وعدم استغلال التجهيزات بشكل واف وصعوبة اقتناء الآليات والتجهيزات (قاعدة هزيلة) .
5 - تململ الالتزامات على مستوى الحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية والتربية الالكترونية والتطبيب الالكتروني والتباطؤ المؤسف الذي يشوب التكوين واللغات المحلية .
6 - التطور البطئ الذي يعتري التطبيقات والمضامين وملاءمتها مع الاحتياجات الوطنية والإقليمية والمحلية .
7 - بطء مواكبة سياسات الإعلام والاتصال الوطنية للأنظمة الدولية للتعاون والتطور ، السريع أحيانا ، للقطاعات العمومية والمجتمع المدني .
8 - تركز وسائل تمويل البنيات الأساسية للإعلام والاتصال وتطوير الحظيرة الالكترونية داخل مراكز الدولة لصناعة القرار (بطء التحرر والسلطات المحتشمة في الضبط والتنظيم) .
9 - عدم الاهتمام ، غير المبرر أحيانا ، من جانب القطاع الخاص بتطوير تكنولوجيا الإعلام والاتصال يقابله ولع شديد بتطوير قطاع الخدمات والاستهلاك الواسع النطاق ، دون أثر حقيقي في تطوير امكانات ولوج تكنولوجيا الإعلام والاتصال .
10 - بطء أو خمود عمل منظمات وجمعيات المجتمع المدني في مجال تطوير القدرات الكامنة لمجتمع الإعلام (الانعطاف بعيدا نحو الإشكاليات الاجتماعية والثقافية والبيئية) .
وانطلاقا من هذه النتائج المستخلصة من المعالجة الجزئية (التي سيتم تعميقها ، على ضوء الردود التي سيتم التوصل بها على استبيان ثان أشمل تنكب على إعداده لجان الخبراء) يتعين وضع وصياغة الأفكار التالية التي ستدرج ضمن البيان الختامي لمؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام وضمن خطة العمل المزمع عرضها على القمة في طورها الأول في جنيف (ديسمبر 2002) .
ثانيا عناصر خطة العمل
إن مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام ، ونظرا لمواطن الخلل العميقة التي لا تزال تطبع القدرات الكامنة المطورة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال بين مجموعة الدول الأعضاء وأخرى والنتائج المترتبة عن التهميش والإقصاء التي تهدد شيئا فشيئا عددا من البلدان النامية وعددا من البلدان الأقل تقدما ،
يقرر ، على مستوى الأمم المتحدة ، تكليف :
1 - لجنة خبراء دولية دائمة متعددة الاختصاصات تتولى مهام التشاور مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة لتحدد عن كثب احتياجات الدول المتأخرة ، وذلك بغية تطوير القدرات الكامنة لدى مجتمع الإعلام في مجال البنيات التحتية للتكنولوجيا الأساسية والمعرفة الفنية .
2 - إنشاء صندوق دولي للمساهمة في تمويل العمليات التي تحددها اللجنة الدولية المذكورة في الفقرة الأولى .
يدعو الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى أن يوصي :
3 - بتطوير وسائل الخبرة البشرية في مجال الأطر والتكوين لوضعها تحت التصرف خدمة للتعاون الدولي لمساعدة الدول التي ترغب في ذلك أو لمساعدة الأمم المتحدة أو أجهزتها المتخصصة وكذا الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية في مجال سد الفجوة الرقمية .
4 - حث المجموعات الإقليمية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومساعدتها على النظر في إنشاء اتحاد شركات إقليمية (للدراسات الهندسية والإنشائية) والأقطاب التكنولوجية والإقليمية وشبة الإقليمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال .
يدعو اليونسكو :
5 - إلى أن تقدم ضمن المجالات المرسومة في إطار خطة عملها المتوسطة الأمد وبالتعاون مع المنظمات الإقليمية المتخصصة المماثلة ، بتحديد أعمال ضمن الميزانية ، من أجل المساعدة على إنشاء (أو تطوير) مراكز إقليمية رائدة في مجال تكوين أطر ملمة بقضايا مجتمع الإعلام (خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط والمغرب العربي) وإعادة توظيف الدفعات الأولى المكونة في إطار تكوين المكونين الوطنيين الدائمين .
يدعو البنوك :
6 - خاصة البنوك الدولية (البنك الدولي ، البنك الأوروبي للإنشاء والإنماء ، والبنك الإفريقي للتنمية ، والبنك الإسلامي للتنمية) إلى إنشاء خطوط ائتمانية لتمويل المشاريع المولدة لمجتمع الإعلام في البلدان النامية والبلدان الأقل تقدما وكذا المشاريع التي من شأنها أن تسهم في تثبيت الأطر المكونة لهذا الغرض لفائدة مؤسسات كل منها .
عناصر خاصة بإعداد البيان الختامي :
يمكن أخذ عناصر التفكير التالية بعين الاعتبار عند صياغة الإعلان العام للقمة :
يدعو مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام إلى :
1 - احترام التنوع الثقافي باعتباره عنصرا محركا وحيويا ونواة مركزية لمجتمع الإعلام من خلال مختلف عمليات المثاقفة والتمازج اللغوي والفني على نحو يتجانس فيه التنوع الثقافي والتنوع اللغوي دون أن يتفوق فيه أحدهما على الآخر .
2 - احترام جميع الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحقوق الإنسان وكذا مراعاة ارتباطها الدائم بمكافحة عدم التسامح والظلامية وبث الكراهية والعنصرية والتعصب والتمييز ومعاداة الأجانب .
3 - توفير إمكانية الاستفادة من المعرفة والتعليم والتكوين المستمر من خلال تطوير الموارد البشرية والقدرات والتجهيزات اللازمة لذلك .
4 - ضرورة استفادة الجميع من التكنولوجيات الجديدة في مجال الإعلام والاتصال ولجميع ميادين التطبيقات المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال * .
5 - تطوير حرية الاستفادة من وسائل التعبير المباشرة (الانترنت) .
6 - حماية الملكية الثقافية والفكرية في إطار مدونة أخلاق إعلامية (مدونة اليونسكو للأخلاق الإعلامية على سبيل المثال) .
7 - اعتماد معايير قياسية من أجل توسيع نطاق الانترنت وتدويلها باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال والإعلام والتكوين والترفيه الثقافي والانتاج والتجارة والتفاعل الاجتماعي .
8 - المحافظة على الحقوق اللغوية لجميع مستخدمي الانترنت والصحافة الالكترونية من خلال تطوير إنشاء آليات البحث المتعددة اللغات .
9 - العمل على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية والدولية لتلافي حدوث تطور لمجتمعات الإعلام بسرعات متفاوتة .
10 - ضمان حق مشاركة الجميع ، دون إقصاء أو تمييز ، من أجل إرساء أسس مجتمع الإعلام وتعزيز "الحق والقدرة على التواصل" .
___________________________
* نخير إطلاقاً مصطلح "تكنولوجيا الإعلام والاتصال" لأنه أشمل وأدق من الترجمة المتداولة "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" ، والتي تنقصها الشمولية لمعنى كلمة ICTs التي تعتمد ميدانين : الإعلام INFORMATION والاتصال Communication ، والجمع "إتصالات" يفيد معنى مغايراً للمعنى المعتمد في الكلمة اللاتينية .
وثيقة عمل مقترحة من منظمة المؤتمر الإسلامي
إلى مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام 1- جنيف 2003 – تونس 2005
_______________________________
إن منظمة المؤتمر الإسلامي ، التي شاركت في اجتماع (بريكوم 1) في يوليو 2002 ، ولا سيما من خلال الاقتراحات المتعددة التي تمت بلورتها على صعيد الأجهزة المختلقة (مؤتمر وزراء الإعلام ، لجان المتابعة والخبراء ، اللجنة الدائمة المعنية بدراسة برامج تطوير الاتصال والتكنولوجيات الحديثة في مجال الاتصال والإعلام) قد واصلت هذا العمل ولم تأل جهدا في الاضطلاع على أحسن وجه بالدور الموكول إليها ، باعتبارها منظمة دولية معنية بمؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام ، وفي تأمين عملية التنسيق التي عرضت القيام بها بين هياكل مؤتمر القمة العالمي المذكور وبين الدول الأعضاء السبع والخمسين والموزعة على ثلاث قارات (إفريقيا ، آسيا ، أوروبا) .
لقد عولت منظمة المؤتمر الإسلامي دائما على الإنسان المسلم المطمئن البال في خضم عالم يشهد تحولات مثيرة ، وذلك حتى يتسنى لها أن تكسب وإياه بأمن وأمان رهانات الألفية الجديدة .
والواقع أن القضايا التي من المرتقب أن يتضمنها جدول أعمال مؤتمر القمة العالمي المذكـور ، كما صاغتها اللجنة الفرعية الثانية المنبثقة عـن (بريكوم 1) ، تهم ، من حيث حيويتها
وملاءمتها بل وتنوعها ، مجموع الدول الأعضاء لأنها مدركة على نحو أفضل لعالم مجتمع الإعلام الذي يتطور بسرعة فائقة يجعله يتجاوزها باستمرار إلى درجة بتنا نخشى معها أن يسفر تنامي الفجوة التي تتخلله عن تفاقم حالة الخلل التي تشوب تنظيمه وتناسقه .
إن نجاح أعمال التنمية التي تباشرها هذه الدول ، والتي تنتمي في غالبيتها إلى فئة البلدان النامية ، بل وإلى فئة البلدان الأقل تقدما ، يتوقف في جزء كبير منه على مدى تمكنها من تكنولوجيا الإعلام والاتصال ، بمعنى أن تجعل من مجتمع الإعلام مجتمعا للمبادرة والمعرفة ، أو بالأحرى مجتمعا لاقتصاد قوامه العلم والمعرفة .
ولقد أضحى الإعلام بالفعل ، في ظل هذا المجتمع الجديد ، مادة أولية أثمن وأنفس من جميع المواد الأولية الأخرى المعروضة في اقتصاد السوق في الوقت الراهن .
إن هذا التمكن وتلك المعرفة ، اللتين يتعين استخلاصهما ، يشكلان لوحدهما ، بصرف النظر عن الجوانب الأخرى المرتبطة بتطور البنية التحتية وتكوين المكونين والأطر الفنية .. ، حجر عثرة ، ليس فقط أمام مؤتمر القمة العالمي لمجتمع الإعلام ، وإنما كذلك أمام السياسات الوطنية لولوج مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال ولسد الفجوة الرقمية .
وفي ظل هذا المجتمع الجديد لا يسع المرء إلا أن يتساءل : ما هي المكانة التي ستخصص للإنسان في هذا الخضم؟ وبالتالي ما هي المكانة التي ستخصص للمؤسسة؟ وهل سنكتفي بأن نظل مجرد زبناء تابعين أم فاعلين متيقظين؟ بمعنى أنه يتعين علينا ألا نظل مجرد مستهلين سلبيين وإنما أن نفرض وجودنا كشركاء ومساهمين في مجتمع الإعلام .
إن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحاول أن تلامس عن قرب وباستمرار انشغالات الدول الأعضاء من خلال عملياتها المتعددة الاختصاصات بإبداء اهتمام متزايد بالفجوة الرقمية وبالتالي تحسيس هذه الدول بضرورة إطلاع مجتمعاتها على مجتمعها الإعلامي وذلك حتى تمسك بزمام استراتيجيتها ومصيرها . ومن ثم فإن مجتمع الإعلام يجبرنا على خوض معركة الحرص على البقاء وعلينا أن نفهم قواعدها .
وتحقيقا لهذه الغاية انكبت لجان التفكير منذ سبتمبر 2002 ، والتي شكلتها المنظمة على مستوى الخبراء من الدول الأعضاء ، على إعداد الاقتراحات التالية التي عرضتها في ديسمبر 2002 على أنظار اللجنة الدائمة للشؤون الثقافية والإعلام (الكومياك) التي يرأسها الرئيس عبد الله واد ، رئيس جمهورية السنغال . وقد تدارس رئيس هذه اللجنة وأعضاؤها المؤلفون من وزراء وسفراء ومهنيين إعلاميين وثقافيين ، تلك الاقتراحات واستخلصوا العناصر الملائمة والعملية وعرضوها بدورهم على المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام والاتصال الذي سيعقد نهاية شهر فبراير 2003 بالقاهرة تحت الرعاية السامية للرئيس محمد حسنى مبارك ، رئيس جمهورية مصر العربية ، وذلك من أجل وضع استراتيجية وخطة عمل للدول الأعضاء تتعلقان بمجتمع الإعلام .
ويمكن إيجاز الاقتراحات الرئيسية التي تم وضعها حتى الآن وتتعلق بالقضايا المدرجة على جدول أعمال مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام :
أولا- تجسير الفجوة الرقمية
إن المعالجة الجزئية للردود على أحد الاستبيانات الذي أرسل إلى الدول الأعضاء من أجل معرفة مدى ما أحرزته من تقدم في مجال استخدام المعلومات وتكنولوجيا الإعلام والاتصال ، ولا سيما ما يتعلق منها بالانتقال من الإعلام القياسي إلى الإعلام الرقمي ، وما تم إحرازه كذلك من تقدم في تطوير تفاعلية "أوعية القنوات الثلاث (الاتصالات السلكية واللاسلكية والمعلومات والتقارب بين الإعلام السمعي البصري والاتصال الهاتفي) والمحتوى (المعلومات والمعطيات الرقمية)" قد مكنت من استخلاص الملاحظات الجزئية التالية :
1 - وجود بعض الغموض وانعدام الثقة في وضع السياسات الوطنية في مجال تطوير البنيات الأساسية والوسائط المتعددة وتكنولوجيا الإعلام والاتصال ، وبالتالي عدم كفاية النتائج المحرز عليها والتي تظل دون الأهداف والتطلعات المنشودة .
2 - يجب على الدول الأعضاء التي تعد على رؤوس الأصابع ، ممن أحرزت نتائج مشجعة في هذا المجال ، أن تعمل باستمرار على تعزيز المكتسبات الهشة وتضاعف جهودها في تطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال وولوج الشبكة الدولية للمعلومات ، وذلك حتى يتسنى لها مواجهة تقلبات السوق والمنافسة الرهيبة التي يشنها منافسون شرسون داخل هذا القطاع العالمي . ومن ضمن البلدان الثلاثين تقريبا المربوطة على نحو سليم ، لا تتوفر سوى بضعة منها على وسائل تضاهي الوسائل المتوفرة لدى الدول الغربية .
3 - وجود نقص جلي وواضح في الأطر الكفأة على الرغم من سياسات التكوين التي غالبا ما تتسم بالطموح (هجرة الأدمغة ونزوح الأطر إلى أوروبا وأمريكا) .
4 - وجود نقص كبير على مستوى شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية الثابتة منها والمتنقلة والبنيات التحتية للنقل والمواصلات والشبكة المرئية والمسموعة والتجهيزات وتقادم المناطق الريفية والتجهيزات وعدم استغلال التجهيزات بشكل واف وصعوبة اقتناء الآليات والتجهيزات (قاعدة هزيلة) .
5 - تململ الالتزامات على مستوى الحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية والتربية الالكترونية والتطبيب الالكتروني والتباطؤ المؤسف الذي يشوب التكوين واللغات المحلية .
6 - التطور البطئ الذي يعتري التطبيقات والمضامين وملاءمتها مع الاحتياجات الوطنية والإقليمية والمحلية .
7 - بطء مواكبة سياسات الإعلام والاتصال الوطنية للأنظمة الدولية للتعاون والتطور ، السريع أحيانا ، للقطاعات العمومية والمجتمع المدني .
8 - تركز وسائل تمويل البنيات الأساسية للإعلام والاتصال وتطوير الحظيرة الالكترونية داخل مراكز الدولة لصناعة القرار (بطء التحرر والسلطات المحتشمة في الضبط والتنظيم) .
9 - عدم الاهتمام ، غير المبرر أحيانا ، من جانب القطاع الخاص بتطوير تكنولوجيا الإعلام والاتصال يقابله ولع شديد بتطوير قطاع الخدمات والاستهلاك الواسع النطاق ، دون أثر حقيقي في تطوير امكانات ولوج تكنولوجيا الإعلام والاتصال .
10 - بطء أو خمود عمل منظمات وجمعيات المجتمع المدني في مجال تطوير القدرات الكامنة لمجتمع الإعلام (الانعطاف بعيدا نحو الإشكاليات الاجتماعية والثقافية والبيئية) .
وانطلاقا من هذه النتائج المستخلصة من المعالجة الجزئية (التي سيتم تعميقها ، على ضوء الردود التي سيتم التوصل بها على استبيان ثان أشمل تنكب على إعداده لجان الخبراء) يتعين وضع وصياغة الأفكار التالية التي ستدرج ضمن البيان الختامي لمؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام وضمن خطة العمل المزمع عرضها على القمة في طورها الأول في جنيف (ديسمبر 2002) .
ثانيا عناصر خطة العمل
إن مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام ، ونظرا لمواطن الخلل العميقة التي لا تزال تطبع القدرات الكامنة المطورة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال بين مجموعة الدول الأعضاء وأخرى والنتائج المترتبة عن التهميش والإقصاء التي تهدد شيئا فشيئا عددا من البلدان النامية وعددا من البلدان الأقل تقدما ،
يقرر ، على مستوى الأمم المتحدة ، تكليف :
1 - لجنة خبراء دولية دائمة متعددة الاختصاصات تتولى مهام التشاور مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة لتحدد عن كثب احتياجات الدول المتأخرة ، وذلك بغية تطوير القدرات الكامنة لدى مجتمع الإعلام في مجال البنيات التحتية للتكنولوجيا الأساسية والمعرفة الفنية .
2 - إنشاء صندوق دولي للمساهمة في تمويل العمليات التي تحددها اللجنة الدولية المذكورة في الفقرة الأولى .
يدعو الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى أن يوصي :
3 - بتطوير وسائل الخبرة البشرية في مجال الأطر والتكوين لوضعها تحت التصرف خدمة للتعاون الدولي لمساعدة الدول التي ترغب في ذلك أو لمساعدة الأمم المتحدة أو أجهزتها المتخصصة وكذا الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية في مجال سد الفجوة الرقمية .
4 - حث المجموعات الإقليمية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومساعدتها على النظر في إنشاء اتحاد شركات إقليمية (للدراسات الهندسية والإنشائية) والأقطاب التكنولوجية والإقليمية وشبة الإقليمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال .
يدعو اليونسكو :
5 - إلى أن تقدم ضمن المجالات المرسومة في إطار خطة عملها المتوسطة الأمد وبالتعاون مع المنظمات الإقليمية المتخصصة المماثلة ، بتحديد أعمال ضمن الميزانية ، من أجل المساعدة على إنشاء (أو تطوير) مراكز إقليمية رائدة في مجال تكوين أطر ملمة بقضايا مجتمع الإعلام (خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط والمغرب العربي) وإعادة توظيف الدفعات الأولى المكونة في إطار تكوين المكونين الوطنيين الدائمين .
يدعو البنوك :
6 - خاصة البنوك الدولية (البنك الدولي ، البنك الأوروبي للإنشاء والإنماء ، والبنك الإفريقي للتنمية ، والبنك الإسلامي للتنمية) إلى إنشاء خطوط ائتمانية لتمويل المشاريع المولدة لمجتمع الإعلام في البلدان النامية والبلدان الأقل تقدما وكذا المشاريع التي من شأنها أن تسهم في تثبيت الأطر المكونة لهذا الغرض لفائدة مؤسسات كل منها .
عناصر خاصة بإعداد البيان الختامي :
يمكن أخذ عناصر التفكير التالية بعين الاعتبار عند صياغة الإعلان العام للقمة :
يدعو مؤتمر القمة العالمي حول مجتمع الإعلام إلى :
1 - احترام التنوع الثقافي باعتباره عنصرا محركا وحيويا ونواة مركزية لمجتمع الإعلام من خلال مختلف عمليات المثاقفة والتمازج اللغوي والفني على نحو يتجانس فيه التنوع الثقافي والتنوع اللغوي دون أن يتفوق فيه أحدهما على الآخر .
2 - احترام جميع الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحقوق الإنسان وكذا مراعاة ارتباطها الدائم بمكافحة عدم التسامح والظلامية وبث الكراهية والعنصرية والتعصب والتمييز ومعاداة الأجانب .
3 - توفير إمكانية الاستفادة من المعرفة والتعليم والتكوين المستمر من خلال تطوير الموارد البشرية والقدرات والتجهيزات اللازمة لذلك .
4 - ضرورة استفادة الجميع من التكنولوجيات الجديدة في مجال الإعلام والاتصال ولجميع ميادين التطبيقات المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال * .
5 - تطوير حرية الاستفادة من وسائل التعبير المباشرة (الانترنت) .
6 - حماية الملكية الثقافية والفكرية في إطار مدونة أخلاق إعلامية (مدونة اليونسكو للأخلاق الإعلامية على سبيل المثال) .
7 - اعتماد معايير قياسية من أجل توسيع نطاق الانترنت وتدويلها باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال والإعلام والتكوين والترفيه الثقافي والانتاج والتجارة والتفاعل الاجتماعي .
8 - المحافظة على الحقوق اللغوية لجميع مستخدمي الانترنت والصحافة الالكترونية من خلال تطوير إنشاء آليات البحث المتعددة اللغات .
9 - العمل على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية والدولية لتلافي حدوث تطور لمجتمعات الإعلام بسرعات متفاوتة .
10 - ضمان حق مشاركة الجميع ، دون إقصاء أو تمييز ، من أجل إرساء أسس مجتمع الإعلام وتعزيز "الحق والقدرة على التواصل" .
___________________________
* نخير إطلاقاً مصطلح "تكنولوجيا الإعلام والاتصال" لأنه أشمل وأدق من الترجمة المتداولة "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" ، والتي تنقصها الشمولية لمعنى كلمة ICTs التي تعتمد ميدانين : الإعلام INFORMATION والاتصال Communication ، والجمع "إتصالات" يفيد معنى مغايراً للمعنى المعتمد في الكلمة اللاتينية .