تابع/.. حق استخدام القوه ودوره في العلاقات الدولية
الفقرة الثانية : الاستثناءات التي ترد على منع استخدام القوة في العلاقات الدولية
بالنظر لحالة المنع التام لاستخدام القوة في العلاقات الدولية على الوجه المحدد في ميثاق الأمم المتحدة كما سبق بيانه في المطلب السابق، كأن الاستثناءات التي ترد على المبدأ جميعها تأتي كرد على استخدام غير المشروع للقوة، غير أنها تختلف من حيث المصدر وهدفها وشروط قيامها، فعندما تتعرض الدولة لهجوم مسلح، فإن الميثاق لا يمنع شك الدولة من استخدام القوة في شكل دفاعي فردي أو جماعي عن النفس، غير أن هذا الاستخدام ينحصر فقط في الحدود الدفاعية وذلك إلى أن يصل محل الدولة المدافعة مجلس الأمن. وأن فعل مجلس الأمن على هذا النحو لا يعتبر من قبيل الأعمال الدفاعية بل هو دو طبيعة قسرية، وهدفه المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما غير أن معيار التمييز الأساسي بين الفعلين هو أن مجلس الأمن يجب أن يستند إلى التفويض ويجب أن يكون صريحا وواضح وفق ما تقتضيه قواعد الفصل السابع أو قواعد الفصل الثامن من الميثاق، عندما يتعلق الأمر بفعل إقليمي، أما بخصوص فعل الدفاع عن النفس سواء معه الفردى أو الجماعي، أو الفعل ضد دولة عدو سابق، فإن الأمر لا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن، حيث يقوم الحق بمجرد تعرض الدولة الضحية لحالة عدوان مسلحك وسوف نتناول هنا مسألة الدفاع الشرعي عن النفس أو الدفاع عن النفس.
1- الدفاع عن النفس :
إن الاستثناء المهم الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.[33]
بحيث تعترف كافة النظم القانونية بحق الدفاع النفسي، وهو حق معترف به مادام القدم ومازال كذلك في ظل ميثاق الأمم المتحدة، ويرى بورت أن هذا الحق في المجتمعات البدائية يكون بيد الأفراد والدول لاستخدامه كما يرونه مناسبا. أما في المجتمعات الناضجة والمتقدمة، فإن استخدام هذا الحق يكون من صلاحية منظمة مركزية عالمية كعصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، ومع هذا فإن استخدام القوة للدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، وفي بعض الأحيان يكون من المناسب تحويل الدول استخدام هذا الحق، بعض النظر عن الصلاحيات المعطاة إلى المنظمة المركزية العالمية وذلك لوجود بعض الظروف القسرية والتي تؤثر بشكل مباشر على الدول المعنية، وعليها حماية نفسها بنفسها ولم يوضع لحد الآن أي تعريف مقبول بشكل عام لحق الدفاع عن النفس وإن كانت هناك محاولات في هذا السبيل.
ويرى مؤيدو القانون الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول لممارسته، وفي هذا يقول وولف على أي شعب أن يحمي نفسه وأن الجموع يعتمد على الأفراد في تأمين متطلبات الأمن والسلام ولكن بورت يرى أن الطريقة الأسلم لتعريف الدفاع عن النفس هي في تعداد أو تعريف الحقوق أو الأمور التي تلجأ الدول لحمايتها بواسطة حق الدفاع عن النفس وهو يرى أن هذه الأمور هي حق السلامة الإقليمية وحق الاستقلال السياسي وحق جماعة المواطنين وحق جماعة المصالح الاقتصادية ومهما كان فإن الأمر جوهر حق الدفاع عن النفس، هو وقوع خطأ ما بحق الدولة المعنية تحقق بموجبه مسؤولية الدولة المخطئة.[34]
2- طبيعة حق الدفاع عن النفس :
إن كافة الشرائع الداخلية للدول تنظم حق دفاع الأفراد عن أنفسهم ويختلف نطاق ومجال استخدام ذلك الحق حسب درجة نضج النظام القانوني الذي ينظمه، إذ عمد في الأنظمة القانونية التي لم تبلغ درجة كبيرة من النضج وتركت هذا الحق دون قيود بينما من الشرائع التي بلغت رقيا وتقدما نجد أن هذا الحق مقيد بقيود كثيرة وهذا الأمر قد يضعف من شأنه ويقلل من أهميته.
ومن المستقر عليه أن سلطات المجتمع الرسمية هي المسؤولة الوحيدة عن حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع وصاحبة الحق الأصيل في استخدام القوة وفق أحكام القانون، وتأسيسا على ذلك يمتنع على الأفراد استخدام القوة إلا خضعوا لأحكام القانون وفرضت عليهم عقوبات التي ينص عليها القانون لما كان ذلك فإن حق الدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا وأراد على الأصل العام الذي يقضي بتحريم ممارسة القوة داخل المجتمع ويستند الحق في الدفاع عن النفس في قيامه إلى وجود ظروف حتمية تتطلب إجراء الخطوات الأولى لحماية الحق والنفس بمعرفة الأفراد، وذلك إلى حين تدخل سلطات الدولة، وعلى ذلك فهناك شبه إجماع بين الأنظمة القانونية على تنظيم هذا الحق.
وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي كحدة يتميز بضعف ونقص في هيئاته التي تفضل ضمان تنفيذ القانون عن طريق الإجبار والتي تضمن الحقوق الدولية المعترف بها قانونا أما ذلك نجد الدول ذات السيادة تقوم بما يجب أن تقوم به تلك الهيئات، وذلك وفق نظرية ازدواج الوظيفة لذلك فإن الحق في الدفاع عن النفس يعد حقا هاما لكل عضو في المجتمع الدولي.
وفي تطور المجتمع الدولي المستمر نجده يتجه شطر إقامة هيئات دولية تتعاون الدول من خلالها من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين وفي سبيل ذلك تتنازل الدول عن بعض مظاهر سيادتها، وقد صاحب ذلك التهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن المناقشات التي دارت أثناء وضع الميثاق منها الرغبة في هيمنة المنظمة على جميع صور استخدام القوة، لذلك أصبح ضروريا النص على الحق في الدفاع عن النفس وتنظيم مباشرته وهو ما حدث بالفعل إذ نظم الميثاق الحق في الدفاع عن النفس في مادته 51، وترجع الحاجة إلى تنظيم مباشرة ذلك الحق وتحديد نطاقه إلى أن عدم القيام بذلك سيجعل مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المسلحة لغوا.
ولما كان ما تقدم فإن الحق في الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة بعد استثناء من مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المادة 2 فقرة 17 من ميثاق الأمم المتحدة.[35]
3- الدفاع الجماعي عن النفس :
بين ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 إن للدولة الحق في الدفاع الجماعي عن نفسها وإن للدول المعتدى عليها. أن تطلب معونة الدول الأخرى لصد العدوان ولقد أثار ذلك سؤالين الأول هل يشترط وجود معاهدة بين الدول لطلب المعونة ؟ والثاني هل يجوز لدولة أن تتقدم بالمعونة العسكرية دون طلب من الدولة الأخرى ؟
وبالنسبة للسؤال الأول فقد أثير خلاف حول حق الدولة في طلب المساعدة دون معاهدة فيرى البعض استبعاد فكرة حق الدول في مساعدة بعضها البعض دون الرجوع إلى مجلس الأمن لأن ذلك يجعله في المرتبة الثانية من حيث المحافظة على السلم والأمن الدوليين ويرى آخرون أن لا قيود على هذا الحق حيث أنه ورد مطلق في الميثاق، لذا ينبغي إبقاء المطلق على إطلاقه ما لم يتم تحديده.
إلى أنه هناك فرق بين الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن الدولي وبين الدفاع الجماعي، إن هذا الأخير تلجأ إليه الدول. وهو إجراء تتخذه الدول للدفاع عن نفسها بموجب مسؤولياتها الخاصة ضمن تحديدات المادة 51 من الميثاق.
أما الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن فتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة وتتم إما بشكل العقوبات أو الأعمال القسرية وهي موضحة في المادة 1، الفقرة الأولى و24، 39-41-42 من ميثاق الأمم المتحدة.[36]
المادة 58 من ميثاق الأمم المتحدة.
والمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة.
4- الشروط الخاصة بالدفاع عن النفس الجماعي :
من المعلوم أن استخدام القوة لأغراض الدفاع عن النفس الجماعي ليس شائعا في الحياة الدولية، فالدول تنأى عادة عن المشاركة في النزاعات المسلحة ليست طرفا فيها، وبالرغم من أن الحياة الدولية المعاصرة شهدت إبرام عدد كبير من معاهدات الدفاع المشترك والتحالف العسكري، إلا أن ممارسات الدول وسلوكها الحقيقي لا ينمان عن الرغبة في استخدام القوة ضمن إطار الدفاع عن النفس الجماعي، فحالات كهذه كانت محدودة نسبيا ومعدومة ومن المسائل المثيرة للاشتباه أن الدفاع عن النفس الجماعي في حالات عديدة كغطاء لدعوى قوات أجنبية قبل أن يكون هناك هجوم مسلح، وذلك على أمل أن يكون الدفاع عن النفس الجماعي ضروريا في المستقبل، وبمعنى آخر يستفاد من رصد واستقراء أغلب حالات الدفاع عن النفس الجماعي أن هذه الصورة من صور الدفاع عن النفس كانت وسيلة للحيلولة دون وقوع هجوم مسلح أو من باب الاحتياط، وكان استخدام القوة العسكرية من حالات نادرة واستثنائية من حالات الدفاع عن النفس الجماعي يقع خارج الحدود الإقليمية للدولة "الضحية".
يحاط الدفاع عن النفس الجماعي بعدد من الصعوبات والتساؤلات المعقدة، فإذا كان من اليسر التمييز نظريا بين الدفاع عن النفس الجماعي وبين المساعدة العسكرية التي قد تقدمها دولة إلى دولة أخرى نتيجة طلب من هذه الأخيرة للرد على تدخل خارجي تعرضت له، فإنه يصعب من الناحية العملية الفصل أو التمييز بينهما فالخط الفاصل بينهما قد يدق أحيانا إلى درجة كبيرة، ولا تغدو الشواهد المعدودة على الدفاع عن النفس الجماعي من خلاف وجدل واسع حول قانونيتها، ولا يرجع هذا الخلاف إلى جواز استخدام القوة في إطار الدفاع عن النفس الجماعي فض السواد الأعظم في هذه الحالات أثيرت تساؤلات حول توافر شرط الهجوم المسلح وحول توافر طلب فعلي أو حقيقي بالمساعدة من جانب الدولة الضحية كما أثير تساؤل حول جدة وأصالة نظرية الدفاع عن النفس الجماعي فقد أدخلت النظرية ضمن ثنايا ميثاق الأمم المتحدة في إطار الفصل السابع منه، وهو ما دفع بعض الكتاب إلى اعتبارها نظرية جديدة وليست سابقة الوجود على الميثاق. ومن الصعوبات الأخرى التي تثار بشأن الدفاع عن النفس الجماعي مسألة تحديد طبيعة هذا الحق فهل هو حق مستقل يخول دولة ثالثة استعمال القوة دفاعا عن دولة ضحية لهجوم مسلح أو أنه ينطوي على جملة من الحقوق الخاصة بدفاع عن النفس فردى لا يجوز إهماله أو ممارسته إلا إذا كانت الدولة الثالثة هي ذاتها ضحية للهجوم المسلح وما هي الشروط الإضافية الواجب تحققها لممارسته وهل يشترط لذلك وجود معاهدة سابقة ؟
إن ممارسة الدفاع عن النفس الجماعي مرهونة بتوافر الشروط والمتطلبات ذاتها الواجب توافرها للدفاع عن النفس الفردى لكنه يتطلب إضافة لهذه الشروط عددا من الشروط الأخرى من صدور إعلان من الدولة الضحية يقضي بتعرضها لهجوم مسلح طلب الدولة الضحية المساعدة من دولة ثالثة وشرط المصلحة أو وجود اتفاق مسبق بين الدول الضحية والدولة الثالثة للدفاع المشترك.[37]
5- ممارسة الدول لحق الدفاع عن النفس ضد دولة أخرى لحماية حقها في الاستقلال السياسي :
تلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التداخل المشار إليه، وتدخلت بشؤون الدولة الأولى، وحيث أن حق الاستقلال السياسي وواجب عدم التدخل ليس حقان مطلقان، لذا فإن مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس لجماعة حق الاستقلال السياسي تكون نسبية. إذا ما وجدت مبررات مشروعة لتدخل الدولة الأخرى وهناك بعض التحديات المفروضة في حق الدفاع عن النفس لحماية حق الاستقلال السياسي، ولعل أهمها هو الحق المعطى إلى مجلس الأمن للتدخل في سبيل الصالح العام للمجتمع الدولي.
صحيح أن الفقرة السابعة في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تمنع الأمم المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها تعود وتشير إلى أن هذا المنع لا يسري على تطبيق الإجراءات القسرية بموجب الفصل السابع من الميثاق أما التحديد الثاني فهو حق الدفاع عن النفس المعطى للدول الأخرى الأمر الذي يجعل ممارسة الدفاع عن حق الاستقلال السياسي مشروطا بأن يكون الخطر الذي يهدده حالا. وعدم تسير وسيلة بديلة أخرى لتجنبه، وإن الإجراءات المتخذة من قبل الدول يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الناتج عن تصرفات الدول الأخرى ويعتبر الشرط الأخير أهم الشروط الواجب ملاحظتها إن هذا يعني أنه إذا كان الخطر قد نتج عن جراء قيام الدولة الأولى باستعمال القوة أو التهديد بها ضد الاستقلال السياسي للدولة فإن استخدام الدولة الثانية للقوة أو التهديد بها، وبشكل متناسب مع الخطر للدفاع عنها وعن نفسها يكون دفاعا مشروعا عن النفس.
6- ممارسة حق الدفاع عن النفس من قبل الدول ضد الأفراد :
قد تحدث بعض المواقف التي ينشأ عنها التهديد ضد الاستقلال السياسي للدولة جراء تصرف أفراد أو مجموعات لا تكون لأية دولة مسؤولة عنهم وأحسن مثال على ذلك يظهر عند قيام الدولة المعنية باتخاذ إجراءات المحكمة لتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي، لكنها غير كافية لمنع هؤلاء الأفراد من تنظيم أو القيام بحملة أو عند قيام مجموعة من الأفراد موجودة في إقليم دولة ما، بتنظيم أو تنفيذ حملة أو أعمال أخرى من شأنها المساس مباشرة بالاستقلال السياسي لدولة أخرى على الرغم من قيام الدولة الأولى باتخاذ كل من يمكنها من إجراءات لمنعهم، أو لتنفيذ التزامات بموجب القانون الدولي لمنع انطلاق مثل هذه الأعمال من إقليمها أي بمعنى آخر إن الإجراءات المتخذة من قبل الدولة الأولى تكون غير كافية لمنع هذه الجماعات من تنفيذ مقاصدها في مثل هذه الحالات، لا تكون الدولة التي تجري مثل هذه الفعاليات على إقليمها، قد خالفت القانون الدولي، أو خرقت أي من التزاماتها الدولية، لذا لا يجوز توجيه أي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضدها من قبل الدولة الأخرى التي تعرض استقلالها السياسي للخطر إن هذا لا يعني أن الدولة الضحية يجب أن تبقى مكتوفة الأيادي أو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لحماية نفسها قد تلجأ لاتخاذ أعمال أو إجراءات للدفاع عن النفس إلا أن هذه الإجراءات يجب أن توجه ضد الأفراد والمجموعات المسؤولة عن الأفعال المشار إليها وليس ضد الدولة الأولى وفي هذه الحالة تكون حالة الضرورة هي المبرر لاتحاد هذه الإجراءات وليس حق الدفاع عن النفس على أن تكون الضرورة ملحة، وأن لا يتوفر وقت للتفكير والتدبير وإجراءات أخرى.[38]
7- الدفاع الجماعي العربي :
عالج ميثاق الجامعة العربية هذا الموضوعة في المادة 6 منه : "إذ نصت إذ وقع اعتداء من دولة على دولة من أعطى الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا".[39]
ولكن بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وشعور الدول العربية بالخطر، عقدت معاهدة الدفاع المشترك، التي نظمت بشكل مفصل إجراءات الدفاع الجماعي للدولة العربية. وإن كان ذلك بحاجة لإعادة نظر الآن، وقد جاء في ديباجتها، أن الغاية الأساسية هي صياغة الأمن والسلام، وفق مبادئ الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.
لقد بينت المادة الثانية من المعاهدة، أن كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر أو على قواتها يعتبر اعتداء على الجميع، لذا التزم الدول عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها أن تبادر بمعونة الدول المعتدى عليها بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة المسلحة، لرد العدوان وإعادة الأمن والسلم إلى نصابه على أن تخبر مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء والإجراءات المتخذة.[40]
ويبدو أن الدول العربية كما ظهر من التطبيق لم تهتم أو لم تعتقد بأهمية هذه المعاهدة وأن نظام الدفاع العربي الجماعي، لم يوضع موضع التطبيق الجدي، على الرغم من الاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني وغيره، على الدول العربية لذلك فالحاجة ملحة لإعادة أنظر في المعاهدة وبمفهوم الدفاع العربي المشترك ككل.[41]
المبحث الثاني : واقع استعمال القوة في العلاقات الدولية
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي سقوطا مفاجئا ومدويا وفي نهاية الثمانينات ومنذ أن أسقطت معه فجأة كذلك الدول والأنظمة التي يطلق عليها المعسكر الاشتراكي، منذ ذلك التاريخ أدرك المفكرون والسياسة بل أدرك جميع الناس أن العلاقات بين الدول والشعوب تدخل مرحلة جديدة، لم تتشكل معالمها بعد على نحو محدد.
ولكن المؤكد في شأنها أنها فقدت عنصرا أساسيا كان أحد عناصر المرحلة السابقة على الانهيار الدولي الكبير في النظام الدولي. وهو عنصر التعددية التي تخلق حالة من حالات التوازن بين القوى صاحبة التأثير الأكبر داخل النظام الدولي.
ذلك أن الاتحاد السوفييتي بقوته ووزنه الذاتي، وبمن يقفون معه وداخله في معسكر واحد كان أحد قطبين كبيرين، أو قوتين عظيمتين وكان القطب الآخر يتبين الحرية السياسية والاقتصادية، ويطلق عليه في الاصطلاح السائد، المعسكر الحر أو المعسكر الغربي فلما اختفى المعسكر الاشتراكي كقوة عظمى ومؤثرة. وانفراد المعسكر الغربي بوصف القوة العظمى صار القول الفصل في جميع القضايا الدولية لهذا القطب الواحد. وطرأ تقييم جوهري على دور الأمم المتحدة في إدارة العلاقات بين الدول والشعوب، فصارت قراراتها في واقع الأمر تابعة إلى حد كبير للقرارات الأمريكية وللروية الأمريكية.[42]
فما هي مظاهر القوة وتأثيرها في المشهد الدولي وما هي انعكاساتها على الواقع الدولي بصفة عامة ؟ كل ذلك سوف يتم مناقشته من خلال مطلبين المطلب الأول الواقع الدولي لاستعمال حق القوة، ثم الواقع الإقليمي لاستعمال حق القوة المطلب الثاني.
المطلب الأول : الواقع الدولي لاستعمال حق القوة
تجسدت حرية الحركة والقوة والتي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلكها والتي وصفها بأنها من أكبر كل إطار قانوني في عدة مظاهر وعلى أصعدة مختلفة أبرزها تجاوز الأمم المتحدة، وخرق القانون الدولي والمعاهدات الدولية بالإضافة إلى التغيير القسري للأنظمة زيادة على خرق سيادة الدول واستباحتها.
كل هذه المظاهر وغيرها أدت إلى جدل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول العالم حول جدوائية القانون الدولي في ظل الاستكبار الأمريكي ناهيك عن فعاليته وتفعيله فبينما ترى أوربا أن المؤسسات فوق القومية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هي مصدر التشريع ترى الولايات المتحدة أن الدولة القومية هي مصدر التشريع وهي بهذا ترفعها الاحتكام إلى المؤسسات المشار إليها معتبرة أن الواقع الدولي قد تغير كثيرا مما يفرض تغيير في القانون والقواعد القانونية حتى تكون عاكسة لحقائق الواقع الجديد.[43]
واستنادا إلى هذه الرؤية ابتدعت الولايات المتحدة الأمريكية شرعية جديدة موازية لشرعية الأمم المتحدة على استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، ولكن هذا القرار قد تأثر بعدم التجاوزات بحيث عايش المجتمع الدولي عدة مشاهد على مستوى العلاقات الدولية ومنها احتكار استعمال القوة الفقرة الأولى، ثم التعسف في استعمال حق القوة الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : احتكار استعمال القوة
يكمن ذلك من خلال استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي وتهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :
1- احتكار الولايات المتحدة بالقرار الدولي :
تقف الولايات المتحدة الأمريكية في العالم اليوم لكافة مقاييس القوة التقليدية متفرجة ومنفرجة الساقين عبر الكرة الأرضية كما يلاحظ بروكس وولفورت لا توجد قوة أو كتلة في الكفة الأخرى من الميزان يمكنها أن تجبر الولايات المتحدة أن تفعل ما تريد أن تفعله في المضمار الدولي.[44]
وتستمد الولايات المتحدة أسباب قوتها وهيمنتها على عالم اليوم من مكونات عدة :
فعلى الصعيد العسكري : نجد أن من المتوقع أن تنفق الولايات المتحدة على الدفاع في العام 2003 أكثر من إنفاق الدول الخمس عشر إلى العشرين التالية لها الأكثر إنفاقا على الدفاع مجتمعة والولايات المتحدة تتمتع بتفوق مذهل، ولديها أقوى سلاح جوي في العالم، وأقوى قوات بحرية، وقدرة فائقة على ممارسة النفوذ العسكري حول العالم.
ويمكننا القول كذلك إن تفوقها العسكري سيظهر بشكل أوضح إذا نظرنا إليه بمعايير كيفية، وليست كمية فحسب. فالولايات المتحدة تتطوق في هذا الإطار على العالم أجمع في استغلال التطبيقات العسكرية للتقنيات المتقدمة في مجال الاتصالات والمعلومات كما أنها أظهرت قدرة لا مثيل لها على التنسيق ومعالجة المعلومات المتاحة عن ساحة المعركة، وعلى تدمير أهداف محددة بدرجة فائقة من الدقة واشنطن تعمل كذلك على تصعيب مهمة الآخرين باللحاق بها، الأمر الذي يتضح بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين ما تنفقه هي على أنشطة البحث والتطوير. وبين ما ينفقه الآخرون عليها حيث إنها تنفق في هذا الصدد ثلاثة أضعاف ما تنفقه عليها القوى الكبرى الست التالية لها مجتمعة.
والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة تحقق هذا التفوق العسكري بنحو 3,5 فقط من دخلها المحلي.
ويقول المؤرخ Paul Kenndy "إن احتلال القمة بتكاليف باهظة هو أمر معقول، ولكن أن تكون القوة العظمى الوحيدة في العالم بتكاليف زهيدة فهو أمر مذهل".[45]
وفي الوقت ذاته نجد أن التفوق الاقتصادي الأمريكي سواء بالنسبة إلى الدول التالية لها الأكثر ثراء، أو بالنسبة إلى العالم ككل يفوق أي مثيل له حققته أية قوة عظمى في التاريخ الحديث.
كالاقتصاد الأمريكي اليوم ضعف حجم منافسه الأقرب أي الاقتصاد الياباني، بل عن اقتصاد كاليفورنيا فحسب قد حقق نموا مذهلا جعله الخامس في العالم، متفوق في ذلك على الاقتصاد الفرنسي، وثانيا مباشرة الاقتصاد المملكة المتحدة.
وأخيرا، فإن تفوق الولايات المتحدة في المجالين العسكري والاقتصادي له حدود مؤكدة تتمثل في موقعها كأكبر قوة تقنية على مستوى العالم.[46]
بناء على ما سبق، فإن الولايات المتحدة اليوم تتبوأ مكانة القوة الإمبراطورية الأقوى في العالم دون أي منافس حقيقي لها في أي بعد رئيسي من أبعاد القوة المشار إليها، وهو موقع فريد حيث لم يسبق أبدا أن كان هناك نظام دولي يحتوي على دولة واحدة تتمتع بكل هذه الدرجة من الهيمنة، إن حيازة أمريكا وبجدارة لمكانة القطب الأوحد في العالم يترتب عليها وبحسب الباحثين العديد من النتائج ومن ضمن هذه النتائج المترتبة على الأحادية القطبية ذلك أن الكثير من متخذي القرارات حول العالم يعملون في ظل مشاعر من التقيد، حيث إن جميع المشاركين في المناظرات الجدلية حول السياسات يدافعون عن خياراتهم المفصلة بالإشارة إلى العواقب المأساوية التي يمكن أن تترتب على عدم العمل بنصائحهم ولكن مصادر القوة الأمريكية هي مصادر متنوعة وممتدة الأثر للغاية لدرجة أن السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت تعمل اليوم في مجال الاختيار وليس الإجبار، أو الضرورة أكثر من أي قوة عظمى في التاريخ الحديث.
وسواء اعترف المشاركون في المناظرات بهذه الحقيقة أم لا، فإن حرية الاختيار الجديد هذه غيرت بشدة من طبيعة الجدل حول ما يجب أن يكون الدور الأمريكي عليه.[47]
بناء على ذلك يدخل التعاطي الأمريكي مع المنظومة الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تبدو الولايات المتحدة اليوم غير مهتمة بالأمم المتحدة ولا بالعمل الجماعي إلا بقدر ما يخدم مصالحها وحسب.
أما إذا تعارضت مصالحها مع الأشياء، فإنها تعمل منفردة دون الإحساس بأي حرج أو خشية من العواقب.
2- تهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :
يسعى تيار المحافظين الجدد ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة في السياسة العالمية، باعتبارها القطب الوحيد، وللقيام بهذه المهمة يجب أن لا تقيد الولايات المتحدة أو تجدها المؤسسات والأعراف الدولية، بل هناك من يرى أن أمريكا تفعل بناء ما بدأت به عند نهاية الحرب العالمية الثانية حيث شغلها عن هذه المهمة الصراع مع الشيوعية العالمية.
وقد جاء عدم الاهتمام بالأمم المتحدة واضحا في كتابات وتصريحات كل من ريتشارد وجون بولتون الذي يعتبر الرجل الثاني في وزارة الخارجية، أيام كولن باول يقول بولتون "لا يوجد شيء مثل الأمم المتحدة هناك الجماعة العالمية التي تقودها القوة الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة وذلك عندما تتوافق الحاجة إليها مع مصالحنا، وعندما نجد أخريين ينخرطون معنا في الركب".[48]
يتبع....
****
محمد وليد اسكاف : حق استخدام القوه ودوره في العلاقات الدولية . مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية. دمشق سوريا. 2009.
الفقرة الثانية : الاستثناءات التي ترد على منع استخدام القوة في العلاقات الدولية
بالنظر لحالة المنع التام لاستخدام القوة في العلاقات الدولية على الوجه المحدد في ميثاق الأمم المتحدة كما سبق بيانه في المطلب السابق، كأن الاستثناءات التي ترد على المبدأ جميعها تأتي كرد على استخدام غير المشروع للقوة، غير أنها تختلف من حيث المصدر وهدفها وشروط قيامها، فعندما تتعرض الدولة لهجوم مسلح، فإن الميثاق لا يمنع شك الدولة من استخدام القوة في شكل دفاعي فردي أو جماعي عن النفس، غير أن هذا الاستخدام ينحصر فقط في الحدود الدفاعية وذلك إلى أن يصل محل الدولة المدافعة مجلس الأمن. وأن فعل مجلس الأمن على هذا النحو لا يعتبر من قبيل الأعمال الدفاعية بل هو دو طبيعة قسرية، وهدفه المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما غير أن معيار التمييز الأساسي بين الفعلين هو أن مجلس الأمن يجب أن يستند إلى التفويض ويجب أن يكون صريحا وواضح وفق ما تقتضيه قواعد الفصل السابع أو قواعد الفصل الثامن من الميثاق، عندما يتعلق الأمر بفعل إقليمي، أما بخصوص فعل الدفاع عن النفس سواء معه الفردى أو الجماعي، أو الفعل ضد دولة عدو سابق، فإن الأمر لا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن، حيث يقوم الحق بمجرد تعرض الدولة الضحية لحالة عدوان مسلحك وسوف نتناول هنا مسألة الدفاع الشرعي عن النفس أو الدفاع عن النفس.
1- الدفاع عن النفس :
إن الاستثناء المهم الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.[33]
بحيث تعترف كافة النظم القانونية بحق الدفاع النفسي، وهو حق معترف به مادام القدم ومازال كذلك في ظل ميثاق الأمم المتحدة، ويرى بورت أن هذا الحق في المجتمعات البدائية يكون بيد الأفراد والدول لاستخدامه كما يرونه مناسبا. أما في المجتمعات الناضجة والمتقدمة، فإن استخدام هذا الحق يكون من صلاحية منظمة مركزية عالمية كعصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، ومع هذا فإن استخدام القوة للدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، وفي بعض الأحيان يكون من المناسب تحويل الدول استخدام هذا الحق، بعض النظر عن الصلاحيات المعطاة إلى المنظمة المركزية العالمية وذلك لوجود بعض الظروف القسرية والتي تؤثر بشكل مباشر على الدول المعنية، وعليها حماية نفسها بنفسها ولم يوضع لحد الآن أي تعريف مقبول بشكل عام لحق الدفاع عن النفس وإن كانت هناك محاولات في هذا السبيل.
ويرى مؤيدو القانون الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول لممارسته، وفي هذا يقول وولف على أي شعب أن يحمي نفسه وأن الجموع يعتمد على الأفراد في تأمين متطلبات الأمن والسلام ولكن بورت يرى أن الطريقة الأسلم لتعريف الدفاع عن النفس هي في تعداد أو تعريف الحقوق أو الأمور التي تلجأ الدول لحمايتها بواسطة حق الدفاع عن النفس وهو يرى أن هذه الأمور هي حق السلامة الإقليمية وحق الاستقلال السياسي وحق جماعة المواطنين وحق جماعة المصالح الاقتصادية ومهما كان فإن الأمر جوهر حق الدفاع عن النفس، هو وقوع خطأ ما بحق الدولة المعنية تحقق بموجبه مسؤولية الدولة المخطئة.[34]
2- طبيعة حق الدفاع عن النفس :
إن كافة الشرائع الداخلية للدول تنظم حق دفاع الأفراد عن أنفسهم ويختلف نطاق ومجال استخدام ذلك الحق حسب درجة نضج النظام القانوني الذي ينظمه، إذ عمد في الأنظمة القانونية التي لم تبلغ درجة كبيرة من النضج وتركت هذا الحق دون قيود بينما من الشرائع التي بلغت رقيا وتقدما نجد أن هذا الحق مقيد بقيود كثيرة وهذا الأمر قد يضعف من شأنه ويقلل من أهميته.
ومن المستقر عليه أن سلطات المجتمع الرسمية هي المسؤولة الوحيدة عن حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع وصاحبة الحق الأصيل في استخدام القوة وفق أحكام القانون، وتأسيسا على ذلك يمتنع على الأفراد استخدام القوة إلا خضعوا لأحكام القانون وفرضت عليهم عقوبات التي ينص عليها القانون لما كان ذلك فإن حق الدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا وأراد على الأصل العام الذي يقضي بتحريم ممارسة القوة داخل المجتمع ويستند الحق في الدفاع عن النفس في قيامه إلى وجود ظروف حتمية تتطلب إجراء الخطوات الأولى لحماية الحق والنفس بمعرفة الأفراد، وذلك إلى حين تدخل سلطات الدولة، وعلى ذلك فهناك شبه إجماع بين الأنظمة القانونية على تنظيم هذا الحق.
وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي كحدة يتميز بضعف ونقص في هيئاته التي تفضل ضمان تنفيذ القانون عن طريق الإجبار والتي تضمن الحقوق الدولية المعترف بها قانونا أما ذلك نجد الدول ذات السيادة تقوم بما يجب أن تقوم به تلك الهيئات، وذلك وفق نظرية ازدواج الوظيفة لذلك فإن الحق في الدفاع عن النفس يعد حقا هاما لكل عضو في المجتمع الدولي.
وفي تطور المجتمع الدولي المستمر نجده يتجه شطر إقامة هيئات دولية تتعاون الدول من خلالها من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين وفي سبيل ذلك تتنازل الدول عن بعض مظاهر سيادتها، وقد صاحب ذلك التهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن المناقشات التي دارت أثناء وضع الميثاق منها الرغبة في هيمنة المنظمة على جميع صور استخدام القوة، لذلك أصبح ضروريا النص على الحق في الدفاع عن النفس وتنظيم مباشرته وهو ما حدث بالفعل إذ نظم الميثاق الحق في الدفاع عن النفس في مادته 51، وترجع الحاجة إلى تنظيم مباشرة ذلك الحق وتحديد نطاقه إلى أن عدم القيام بذلك سيجعل مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المسلحة لغوا.
ولما كان ما تقدم فإن الحق في الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة بعد استثناء من مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المادة 2 فقرة 17 من ميثاق الأمم المتحدة.[35]
3- الدفاع الجماعي عن النفس :
بين ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 إن للدولة الحق في الدفاع الجماعي عن نفسها وإن للدول المعتدى عليها. أن تطلب معونة الدول الأخرى لصد العدوان ولقد أثار ذلك سؤالين الأول هل يشترط وجود معاهدة بين الدول لطلب المعونة ؟ والثاني هل يجوز لدولة أن تتقدم بالمعونة العسكرية دون طلب من الدولة الأخرى ؟
وبالنسبة للسؤال الأول فقد أثير خلاف حول حق الدولة في طلب المساعدة دون معاهدة فيرى البعض استبعاد فكرة حق الدول في مساعدة بعضها البعض دون الرجوع إلى مجلس الأمن لأن ذلك يجعله في المرتبة الثانية من حيث المحافظة على السلم والأمن الدوليين ويرى آخرون أن لا قيود على هذا الحق حيث أنه ورد مطلق في الميثاق، لذا ينبغي إبقاء المطلق على إطلاقه ما لم يتم تحديده.
إلى أنه هناك فرق بين الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن الدولي وبين الدفاع الجماعي، إن هذا الأخير تلجأ إليه الدول. وهو إجراء تتخذه الدول للدفاع عن نفسها بموجب مسؤولياتها الخاصة ضمن تحديدات المادة 51 من الميثاق.
أما الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن فتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة وتتم إما بشكل العقوبات أو الأعمال القسرية وهي موضحة في المادة 1، الفقرة الأولى و24، 39-41-42 من ميثاق الأمم المتحدة.[36]
المادة 58 من ميثاق الأمم المتحدة.
والمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة.
4- الشروط الخاصة بالدفاع عن النفس الجماعي :
من المعلوم أن استخدام القوة لأغراض الدفاع عن النفس الجماعي ليس شائعا في الحياة الدولية، فالدول تنأى عادة عن المشاركة في النزاعات المسلحة ليست طرفا فيها، وبالرغم من أن الحياة الدولية المعاصرة شهدت إبرام عدد كبير من معاهدات الدفاع المشترك والتحالف العسكري، إلا أن ممارسات الدول وسلوكها الحقيقي لا ينمان عن الرغبة في استخدام القوة ضمن إطار الدفاع عن النفس الجماعي، فحالات كهذه كانت محدودة نسبيا ومعدومة ومن المسائل المثيرة للاشتباه أن الدفاع عن النفس الجماعي في حالات عديدة كغطاء لدعوى قوات أجنبية قبل أن يكون هناك هجوم مسلح، وذلك على أمل أن يكون الدفاع عن النفس الجماعي ضروريا في المستقبل، وبمعنى آخر يستفاد من رصد واستقراء أغلب حالات الدفاع عن النفس الجماعي أن هذه الصورة من صور الدفاع عن النفس كانت وسيلة للحيلولة دون وقوع هجوم مسلح أو من باب الاحتياط، وكان استخدام القوة العسكرية من حالات نادرة واستثنائية من حالات الدفاع عن النفس الجماعي يقع خارج الحدود الإقليمية للدولة "الضحية".
يحاط الدفاع عن النفس الجماعي بعدد من الصعوبات والتساؤلات المعقدة، فإذا كان من اليسر التمييز نظريا بين الدفاع عن النفس الجماعي وبين المساعدة العسكرية التي قد تقدمها دولة إلى دولة أخرى نتيجة طلب من هذه الأخيرة للرد على تدخل خارجي تعرضت له، فإنه يصعب من الناحية العملية الفصل أو التمييز بينهما فالخط الفاصل بينهما قد يدق أحيانا إلى درجة كبيرة، ولا تغدو الشواهد المعدودة على الدفاع عن النفس الجماعي من خلاف وجدل واسع حول قانونيتها، ولا يرجع هذا الخلاف إلى جواز استخدام القوة في إطار الدفاع عن النفس الجماعي فض السواد الأعظم في هذه الحالات أثيرت تساؤلات حول توافر شرط الهجوم المسلح وحول توافر طلب فعلي أو حقيقي بالمساعدة من جانب الدولة الضحية كما أثير تساؤل حول جدة وأصالة نظرية الدفاع عن النفس الجماعي فقد أدخلت النظرية ضمن ثنايا ميثاق الأمم المتحدة في إطار الفصل السابع منه، وهو ما دفع بعض الكتاب إلى اعتبارها نظرية جديدة وليست سابقة الوجود على الميثاق. ومن الصعوبات الأخرى التي تثار بشأن الدفاع عن النفس الجماعي مسألة تحديد طبيعة هذا الحق فهل هو حق مستقل يخول دولة ثالثة استعمال القوة دفاعا عن دولة ضحية لهجوم مسلح أو أنه ينطوي على جملة من الحقوق الخاصة بدفاع عن النفس فردى لا يجوز إهماله أو ممارسته إلا إذا كانت الدولة الثالثة هي ذاتها ضحية للهجوم المسلح وما هي الشروط الإضافية الواجب تحققها لممارسته وهل يشترط لذلك وجود معاهدة سابقة ؟
إن ممارسة الدفاع عن النفس الجماعي مرهونة بتوافر الشروط والمتطلبات ذاتها الواجب توافرها للدفاع عن النفس الفردى لكنه يتطلب إضافة لهذه الشروط عددا من الشروط الأخرى من صدور إعلان من الدولة الضحية يقضي بتعرضها لهجوم مسلح طلب الدولة الضحية المساعدة من دولة ثالثة وشرط المصلحة أو وجود اتفاق مسبق بين الدول الضحية والدولة الثالثة للدفاع المشترك.[37]
5- ممارسة الدول لحق الدفاع عن النفس ضد دولة أخرى لحماية حقها في الاستقلال السياسي :
تلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التداخل المشار إليه، وتدخلت بشؤون الدولة الأولى، وحيث أن حق الاستقلال السياسي وواجب عدم التدخل ليس حقان مطلقان، لذا فإن مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس لجماعة حق الاستقلال السياسي تكون نسبية. إذا ما وجدت مبررات مشروعة لتدخل الدولة الأخرى وهناك بعض التحديات المفروضة في حق الدفاع عن النفس لحماية حق الاستقلال السياسي، ولعل أهمها هو الحق المعطى إلى مجلس الأمن للتدخل في سبيل الصالح العام للمجتمع الدولي.
صحيح أن الفقرة السابعة في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تمنع الأمم المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها تعود وتشير إلى أن هذا المنع لا يسري على تطبيق الإجراءات القسرية بموجب الفصل السابع من الميثاق أما التحديد الثاني فهو حق الدفاع عن النفس المعطى للدول الأخرى الأمر الذي يجعل ممارسة الدفاع عن حق الاستقلال السياسي مشروطا بأن يكون الخطر الذي يهدده حالا. وعدم تسير وسيلة بديلة أخرى لتجنبه، وإن الإجراءات المتخذة من قبل الدول يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الناتج عن تصرفات الدول الأخرى ويعتبر الشرط الأخير أهم الشروط الواجب ملاحظتها إن هذا يعني أنه إذا كان الخطر قد نتج عن جراء قيام الدولة الأولى باستعمال القوة أو التهديد بها ضد الاستقلال السياسي للدولة فإن استخدام الدولة الثانية للقوة أو التهديد بها، وبشكل متناسب مع الخطر للدفاع عنها وعن نفسها يكون دفاعا مشروعا عن النفس.
6- ممارسة حق الدفاع عن النفس من قبل الدول ضد الأفراد :
قد تحدث بعض المواقف التي ينشأ عنها التهديد ضد الاستقلال السياسي للدولة جراء تصرف أفراد أو مجموعات لا تكون لأية دولة مسؤولة عنهم وأحسن مثال على ذلك يظهر عند قيام الدولة المعنية باتخاذ إجراءات المحكمة لتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي، لكنها غير كافية لمنع هؤلاء الأفراد من تنظيم أو القيام بحملة أو عند قيام مجموعة من الأفراد موجودة في إقليم دولة ما، بتنظيم أو تنفيذ حملة أو أعمال أخرى من شأنها المساس مباشرة بالاستقلال السياسي لدولة أخرى على الرغم من قيام الدولة الأولى باتخاذ كل من يمكنها من إجراءات لمنعهم، أو لتنفيذ التزامات بموجب القانون الدولي لمنع انطلاق مثل هذه الأعمال من إقليمها أي بمعنى آخر إن الإجراءات المتخذة من قبل الدولة الأولى تكون غير كافية لمنع هذه الجماعات من تنفيذ مقاصدها في مثل هذه الحالات، لا تكون الدولة التي تجري مثل هذه الفعاليات على إقليمها، قد خالفت القانون الدولي، أو خرقت أي من التزاماتها الدولية، لذا لا يجوز توجيه أي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضدها من قبل الدولة الأخرى التي تعرض استقلالها السياسي للخطر إن هذا لا يعني أن الدولة الضحية يجب أن تبقى مكتوفة الأيادي أو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لحماية نفسها قد تلجأ لاتخاذ أعمال أو إجراءات للدفاع عن النفس إلا أن هذه الإجراءات يجب أن توجه ضد الأفراد والمجموعات المسؤولة عن الأفعال المشار إليها وليس ضد الدولة الأولى وفي هذه الحالة تكون حالة الضرورة هي المبرر لاتحاد هذه الإجراءات وليس حق الدفاع عن النفس على أن تكون الضرورة ملحة، وأن لا يتوفر وقت للتفكير والتدبير وإجراءات أخرى.[38]
7- الدفاع الجماعي العربي :
عالج ميثاق الجامعة العربية هذا الموضوعة في المادة 6 منه : "إذ نصت إذ وقع اعتداء من دولة على دولة من أعطى الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا".[39]
ولكن بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وشعور الدول العربية بالخطر، عقدت معاهدة الدفاع المشترك، التي نظمت بشكل مفصل إجراءات الدفاع الجماعي للدولة العربية. وإن كان ذلك بحاجة لإعادة نظر الآن، وقد جاء في ديباجتها، أن الغاية الأساسية هي صياغة الأمن والسلام، وفق مبادئ الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.
لقد بينت المادة الثانية من المعاهدة، أن كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر أو على قواتها يعتبر اعتداء على الجميع، لذا التزم الدول عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها أن تبادر بمعونة الدول المعتدى عليها بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة المسلحة، لرد العدوان وإعادة الأمن والسلم إلى نصابه على أن تخبر مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء والإجراءات المتخذة.[40]
ويبدو أن الدول العربية كما ظهر من التطبيق لم تهتم أو لم تعتقد بأهمية هذه المعاهدة وأن نظام الدفاع العربي الجماعي، لم يوضع موضع التطبيق الجدي، على الرغم من الاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني وغيره، على الدول العربية لذلك فالحاجة ملحة لإعادة أنظر في المعاهدة وبمفهوم الدفاع العربي المشترك ككل.[41]
المبحث الثاني : واقع استعمال القوة في العلاقات الدولية
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي سقوطا مفاجئا ومدويا وفي نهاية الثمانينات ومنذ أن أسقطت معه فجأة كذلك الدول والأنظمة التي يطلق عليها المعسكر الاشتراكي، منذ ذلك التاريخ أدرك المفكرون والسياسة بل أدرك جميع الناس أن العلاقات بين الدول والشعوب تدخل مرحلة جديدة، لم تتشكل معالمها بعد على نحو محدد.
ولكن المؤكد في شأنها أنها فقدت عنصرا أساسيا كان أحد عناصر المرحلة السابقة على الانهيار الدولي الكبير في النظام الدولي. وهو عنصر التعددية التي تخلق حالة من حالات التوازن بين القوى صاحبة التأثير الأكبر داخل النظام الدولي.
ذلك أن الاتحاد السوفييتي بقوته ووزنه الذاتي، وبمن يقفون معه وداخله في معسكر واحد كان أحد قطبين كبيرين، أو قوتين عظيمتين وكان القطب الآخر يتبين الحرية السياسية والاقتصادية، ويطلق عليه في الاصطلاح السائد، المعسكر الحر أو المعسكر الغربي فلما اختفى المعسكر الاشتراكي كقوة عظمى ومؤثرة. وانفراد المعسكر الغربي بوصف القوة العظمى صار القول الفصل في جميع القضايا الدولية لهذا القطب الواحد. وطرأ تقييم جوهري على دور الأمم المتحدة في إدارة العلاقات بين الدول والشعوب، فصارت قراراتها في واقع الأمر تابعة إلى حد كبير للقرارات الأمريكية وللروية الأمريكية.[42]
فما هي مظاهر القوة وتأثيرها في المشهد الدولي وما هي انعكاساتها على الواقع الدولي بصفة عامة ؟ كل ذلك سوف يتم مناقشته من خلال مطلبين المطلب الأول الواقع الدولي لاستعمال حق القوة، ثم الواقع الإقليمي لاستعمال حق القوة المطلب الثاني.
المطلب الأول : الواقع الدولي لاستعمال حق القوة
تجسدت حرية الحركة والقوة والتي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلكها والتي وصفها بأنها من أكبر كل إطار قانوني في عدة مظاهر وعلى أصعدة مختلفة أبرزها تجاوز الأمم المتحدة، وخرق القانون الدولي والمعاهدات الدولية بالإضافة إلى التغيير القسري للأنظمة زيادة على خرق سيادة الدول واستباحتها.
كل هذه المظاهر وغيرها أدت إلى جدل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول العالم حول جدوائية القانون الدولي في ظل الاستكبار الأمريكي ناهيك عن فعاليته وتفعيله فبينما ترى أوربا أن المؤسسات فوق القومية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هي مصدر التشريع ترى الولايات المتحدة أن الدولة القومية هي مصدر التشريع وهي بهذا ترفعها الاحتكام إلى المؤسسات المشار إليها معتبرة أن الواقع الدولي قد تغير كثيرا مما يفرض تغيير في القانون والقواعد القانونية حتى تكون عاكسة لحقائق الواقع الجديد.[43]
واستنادا إلى هذه الرؤية ابتدعت الولايات المتحدة الأمريكية شرعية جديدة موازية لشرعية الأمم المتحدة على استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، ولكن هذا القرار قد تأثر بعدم التجاوزات بحيث عايش المجتمع الدولي عدة مشاهد على مستوى العلاقات الدولية ومنها احتكار استعمال القوة الفقرة الأولى، ثم التعسف في استعمال حق القوة الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : احتكار استعمال القوة
يكمن ذلك من خلال استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي وتهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :
1- احتكار الولايات المتحدة بالقرار الدولي :
تقف الولايات المتحدة الأمريكية في العالم اليوم لكافة مقاييس القوة التقليدية متفرجة ومنفرجة الساقين عبر الكرة الأرضية كما يلاحظ بروكس وولفورت لا توجد قوة أو كتلة في الكفة الأخرى من الميزان يمكنها أن تجبر الولايات المتحدة أن تفعل ما تريد أن تفعله في المضمار الدولي.[44]
وتستمد الولايات المتحدة أسباب قوتها وهيمنتها على عالم اليوم من مكونات عدة :
فعلى الصعيد العسكري : نجد أن من المتوقع أن تنفق الولايات المتحدة على الدفاع في العام 2003 أكثر من إنفاق الدول الخمس عشر إلى العشرين التالية لها الأكثر إنفاقا على الدفاع مجتمعة والولايات المتحدة تتمتع بتفوق مذهل، ولديها أقوى سلاح جوي في العالم، وأقوى قوات بحرية، وقدرة فائقة على ممارسة النفوذ العسكري حول العالم.
ويمكننا القول كذلك إن تفوقها العسكري سيظهر بشكل أوضح إذا نظرنا إليه بمعايير كيفية، وليست كمية فحسب. فالولايات المتحدة تتطوق في هذا الإطار على العالم أجمع في استغلال التطبيقات العسكرية للتقنيات المتقدمة في مجال الاتصالات والمعلومات كما أنها أظهرت قدرة لا مثيل لها على التنسيق ومعالجة المعلومات المتاحة عن ساحة المعركة، وعلى تدمير أهداف محددة بدرجة فائقة من الدقة واشنطن تعمل كذلك على تصعيب مهمة الآخرين باللحاق بها، الأمر الذي يتضح بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين ما تنفقه هي على أنشطة البحث والتطوير. وبين ما ينفقه الآخرون عليها حيث إنها تنفق في هذا الصدد ثلاثة أضعاف ما تنفقه عليها القوى الكبرى الست التالية لها مجتمعة.
والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة تحقق هذا التفوق العسكري بنحو 3,5 فقط من دخلها المحلي.
ويقول المؤرخ Paul Kenndy "إن احتلال القمة بتكاليف باهظة هو أمر معقول، ولكن أن تكون القوة العظمى الوحيدة في العالم بتكاليف زهيدة فهو أمر مذهل".[45]
وفي الوقت ذاته نجد أن التفوق الاقتصادي الأمريكي سواء بالنسبة إلى الدول التالية لها الأكثر ثراء، أو بالنسبة إلى العالم ككل يفوق أي مثيل له حققته أية قوة عظمى في التاريخ الحديث.
كالاقتصاد الأمريكي اليوم ضعف حجم منافسه الأقرب أي الاقتصاد الياباني، بل عن اقتصاد كاليفورنيا فحسب قد حقق نموا مذهلا جعله الخامس في العالم، متفوق في ذلك على الاقتصاد الفرنسي، وثانيا مباشرة الاقتصاد المملكة المتحدة.
وأخيرا، فإن تفوق الولايات المتحدة في المجالين العسكري والاقتصادي له حدود مؤكدة تتمثل في موقعها كأكبر قوة تقنية على مستوى العالم.[46]
بناء على ما سبق، فإن الولايات المتحدة اليوم تتبوأ مكانة القوة الإمبراطورية الأقوى في العالم دون أي منافس حقيقي لها في أي بعد رئيسي من أبعاد القوة المشار إليها، وهو موقع فريد حيث لم يسبق أبدا أن كان هناك نظام دولي يحتوي على دولة واحدة تتمتع بكل هذه الدرجة من الهيمنة، إن حيازة أمريكا وبجدارة لمكانة القطب الأوحد في العالم يترتب عليها وبحسب الباحثين العديد من النتائج ومن ضمن هذه النتائج المترتبة على الأحادية القطبية ذلك أن الكثير من متخذي القرارات حول العالم يعملون في ظل مشاعر من التقيد، حيث إن جميع المشاركين في المناظرات الجدلية حول السياسات يدافعون عن خياراتهم المفصلة بالإشارة إلى العواقب المأساوية التي يمكن أن تترتب على عدم العمل بنصائحهم ولكن مصادر القوة الأمريكية هي مصادر متنوعة وممتدة الأثر للغاية لدرجة أن السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت تعمل اليوم في مجال الاختيار وليس الإجبار، أو الضرورة أكثر من أي قوة عظمى في التاريخ الحديث.
وسواء اعترف المشاركون في المناظرات بهذه الحقيقة أم لا، فإن حرية الاختيار الجديد هذه غيرت بشدة من طبيعة الجدل حول ما يجب أن يكون الدور الأمريكي عليه.[47]
بناء على ذلك يدخل التعاطي الأمريكي مع المنظومة الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تبدو الولايات المتحدة اليوم غير مهتمة بالأمم المتحدة ولا بالعمل الجماعي إلا بقدر ما يخدم مصالحها وحسب.
أما إذا تعارضت مصالحها مع الأشياء، فإنها تعمل منفردة دون الإحساس بأي حرج أو خشية من العواقب.
2- تهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :
يسعى تيار المحافظين الجدد ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة في السياسة العالمية، باعتبارها القطب الوحيد، وللقيام بهذه المهمة يجب أن لا تقيد الولايات المتحدة أو تجدها المؤسسات والأعراف الدولية، بل هناك من يرى أن أمريكا تفعل بناء ما بدأت به عند نهاية الحرب العالمية الثانية حيث شغلها عن هذه المهمة الصراع مع الشيوعية العالمية.
وقد جاء عدم الاهتمام بالأمم المتحدة واضحا في كتابات وتصريحات كل من ريتشارد وجون بولتون الذي يعتبر الرجل الثاني في وزارة الخارجية، أيام كولن باول يقول بولتون "لا يوجد شيء مثل الأمم المتحدة هناك الجماعة العالمية التي تقودها القوة الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة وذلك عندما تتوافق الحاجة إليها مع مصالحنا، وعندما نجد أخريين ينخرطون معنا في الركب".[48]
يتبع....
****
محمد وليد اسكاف : حق استخدام القوه ودوره في العلاقات الدولية . مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية. دمشق سوريا. 2009.